قال محمد بن عمر الرازيّ في تفسيره: والذي جربته من أوّل عمري إلى آخره أنّ الإنسان كلما عوّل في أمر من الأمور على غير الله تعالى صار ذلك سبباً للبلاء والمحنة والشدّة والرزية، وإذا عول على الله تعالى ولم يرجع إلى أحد من الخلق حصل ذلك المطلوب على أحسن الوجوه، فهذه التجربة قد استمرّت لي من أوّل عمري إلى هذا الوقت الذي بلغت إلى السابع والخمسين، فعند ذلك استقرّ قلبي على أنه لا مصلحة للإنسان في التعويل على شيء سوى فضل الله تعالى وإحسانه. ولما دنا فرج يوسف عليه السلام رأى ملك مصر الأكبر الريان بن الوليد رؤيا عجيبة هائلة، كما قال تعالى:
(٣/٢٦٣)
---
﴿وقال الملك إني أرى﴾، أي: رأيت عبر بالمضارع حكاية للحال لشدّة ما هاله من ذلك ﴿سبع بقرات سمان﴾، أي: خرجن من نهر يابس، والسمن زيادة البدن من الشحم واللحم وسمان جمع سمينة، ويجمع سمين أيضاً عليه يقال: رجال سمان ونساء سمان كما يقال: رجال كرام ونساء كرام ﴿يأكلهنّ﴾، أي: يبتلعهنّ ﴿سبع﴾، أي: من البقر ﴿عجاف﴾ جمع عجفاء، أي: مهازيل خرجن من ذلك النهر.
تنبيه: جمع عجفاء على عجاف، والقياس عجف نحو حمراء وحمر حملاً له على سمان؛ لأنه نقيضه، ومن دأبهم حمل النظير على النظير والنقيض على النقيض ﴿و﴾ إني أرى ﴿سبع سنبلات خضر﴾، أي: قد انعقد حبها ﴿و﴾ إني أرى سبع سنبلات ﴿أخر يابسات﴾، أي: قد أدركت، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها وإنما استغنى عن بيان حالها بما نص من حال البقرات، والسنبلة نبات كالقصبة فيها جملة حبوب منتظمة، فكأنه قيل: فكان ماذا؟ فقيل: قال الملك بعد أن جمع السحرة والكهنة والمعبرين ﴿يا أيها الملأ﴾، أي: الأشراف النبلاء الذين تملأ العيون مناظرهم والقلوب مآثرهم ﴿أفتوني في رؤياي﴾، أي: أخبروني بتأويلها ﴿إن كنتم للرؤيا تعبرون﴾، أي: إن كنتم عالمين بعبارة الرؤيا فاعبروها.


الصفحة التالية
Icon