﴿ولو أن قرآناً سيرت به الجبال﴾، أي: نقلت عن أماكنها ﴿أو قطعت﴾، أي: شققت ﴿به الأرض﴾ من خشية الله تعالى عند قراءته، فجعلت أنهاراً وعيوناً. ﴿أو كلم به الموتى﴾، أي: بأن يحيوا، وجواب لو محذوف، أي: لكان هذا القرآن في غاية ما يكون من الصحة، واكتفى بمعرفة السامعين مراده، وهذا معنى قول قتادة قال: لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم. وقيل: تقديره لما آمنوا، ونقل عن الفراء أنّ جواب لو هي الجملة من قوله: ﴿وهم يكفرون﴾ ففي الكلام تقديم وتأخير وما بينهما اعتراض، وتقدير الكلام وهم يكفرون بالرحمن لو أنّ قرآناً سيرت به الجبال، أو قطعت به الأرض، أو كلم به الموتى لكفروا بالرحمن، ولم يؤمنوا لما سبق من علمنا فيهم.
فإن قيل: لم حذفت التاء في قوله تعالى: ﴿وكلم به الموتى﴾ وثبتت في الفعلين قبله؟ أجيب: بأنه من باب التغليب؛ لأنّ الموتى يشمل المذكر والمؤنث. ﴿بل لله الأمر﴾، أي: القدرة على كل شيء ﴿جميعاً﴾ وهذا إضراب عما تضمنته لو من معنى النفي، أي: بل الله قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات، لكن الإرادة لم تتعلق بذلك لعلمه تعالى بأنه لا يلين قلوبهم ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿أفلم ييأس الذين آمنوا﴾ عن إيمانهم مع ما رأوا من أحوالهم وذهب أكثرهم إلى أنّ معناه: أفلم يعلم الذين آمنوا ﴿أن﴾، أي: بأنه ﴿لو يشاء الله﴾، أي: الذي له صفات الكمال ﴿لهدى الناس جميعاً﴾، أي: إلى الإيمان من غير آية، ولكنه تعالى لم يشأ هداية جميع الخلائق ﴿ولا يزال الذين كفروا﴾، أي: جميع الكفار ﴿تصيبهم بما﴾، أي: بسبب ما ﴿صنعوا قارعة﴾، أي: نازلة وداهية تقرعهم بأنواع البلايا تارة بالجدب، وتارة بالسلب وتارة بالقتل، وتارة بالأسر وغيرذلك. واختلف في الكفار على قولين.
قيل: أراد بهم جميع الكفار، لأنّ الوقائع الشديدة التي وقعت لبعض الكفار من ذلك أوجبت حصول الغم في قلب الكل.
(٣/٣٨٤)
---