﴿أفمن هو قائم﴾، أي: رقيب ﴿على كل نفس بما كسبت﴾، أي: عملت من خير وشر وهو الله تعالى القادر على كل الممكنات العالم بجميع المعلومات من الجزئيات والكليات، ولا بدّ لهذا الكلام من جواب فإن من موصولة صلتها هو قائم، والموصول مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف تقديره كمن ليس بهذه الصفة، وهي الأصنام التي لا تنفع ولا تضرّ دل على هذا المحذوف قوله تعالى: ﴿وجعلوا لله شركاء﴾ ونظيره قوله تعالى: ﴿أفمن شرح الله صدره للإسلام﴾ (الزمر، ٢٢) الآية تقديره كمن قسا قلبه يدل عليه قوله: ﴿فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله﴾ (الزمر، ٢٢) وإنما حسن حذفه كون الخبر مقابلاً للمبتدأ، وقد جاء مبيناً كقوله تعالى: ﴿أفمن يخلق كمن لا يخلق﴾ (النحل، ١٧) وقوله تعالى: ﴿قل سموهم﴾ فيه تنبيه على أنّ هؤلاء الشركاء لا يستحقونها، والمعنى: سموهم بأسمائهم الحقيقية، فإنهم إذا عرفت حقائقهم أنها حجارة أو غير ذلك مما هو مركز العجز، ومحل الفقر عرف ما هم عليه من سخافة العقول وركاكة الآراء، ثم قيل: أرجعتم عن ذلك إلى الإقرار بأنهم من جملة عبيده؟ ﴿أم تنبئونه﴾، أي: تخبرونه ﴿بما لا يعلم﴾ وعلمه محيط بكل شيء ﴿في الأرض﴾ من كونها آلهة ببرهان قاطع ﴿أم﴾ تسمونهم شركاء ﴿بظاهر من القول﴾، أي: بحجة إقناعية تقال بالفم، وكل ما لا يعلم فليس بشيء، وهذا احتجاج بليغ على أسلوب عجيب ينادي على نفسه بالإعجاز.
(٣/٣٨٦)
---