أي: لجميع الخلق قال جماعة من المفسرين: يسألون عن لا إله إلا الله. وقال أبو العالية: يسألون عما كانوا يعبدون وما أجابوا به المرسلين. فإن قيل: كيف الجمع بين قوله تعالى: ﴿فوربك لنسألنهم أجمعين﴾ وبين قوله تعالى: ﴿فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان﴾ (الرحمن، ٣٩)
؟ أجيب: بأنّ النفي ينصرف إلى بعض الأوقات والاثبات إلى وقت آخر لأنّ يوم القيامة يوم طويل وفيه مواقف يسألون في بعضها ولا يسألون في بعض آخر. ونظيره قوله تعالى: ﴿هذا يوم لا ينطقون﴾ (المرسلات، ٣٥)
. وقال في آية أخرى: ﴿ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون﴾ (الزمر، ٣١)
ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم
﴿فاصدع﴾ أي: اجهر بعلو وشدّة فارقاً بين الحق والباطل. وقرأ حمزة والكسائي بإشمام الصاد الساكنة قبل الدال والباقون بالصاد الخالصة. ﴿بما﴾ أي: بسبب ما ﴿تؤمر﴾ به. أمر النبيّ ﷺ في هذه الآية بإظهار الدعوة. روي عن عبد الله بن عبيدة قال: كان مستخفياً حتى نزلت هذه الآية فخرج هو وأصحابه. ﴿وأعرض﴾ أي: إعراض من لا يبالي ﴿عن المشركين﴾ بالصفح الجميل عن الأذى والاجتهاد في الدعاء ولا تلتفت إلى لومهم إياك على إظهار الدعوة. قال بعض المفسرين كالبغوي: وهذا منسوخ بآية القتال، قال الرازي: وهو ضعيف لأنّ معنى هذا الإعراض ترك المبالاة بهم فلا يكون منسوخاً. ولما كان هذا الصدع في غاية الشدّة عليه ﷺ لكثرة ما يلقى عليه من الأذى خفف عنه سبحانه وتعالى بقوله معللاً له:
﴿إنا﴾ أي: بما لنا من العظمة والقدرة ﴿كفيناك المستهزئين﴾ أي: شرّ الذين هم عريقون في الاستهزاء وهم خمسة نفر من رؤوساء قريش الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وعدي بن قيس، والأسود بن عبد المطلب، والأسود بن عبد يغوث، ووصف سبحانه وتعالى هؤلاء بقوله تعالى:
(٤/٨)
---