﴿ودّ﴾ أي: تمنى ﴿كثير من أهل الكتاب﴾ من اليهود ﴿لو يردونكم﴾ أي: يردّوكم يا معشر المؤمنين فلو مصدرية بمعنى إن، فإنّ لو تنوب عن أن في المعنى دون اللفظ ﴿من بعد إيمانكم كفاراً﴾ مرتدّين وقوله: ﴿حسداً﴾ مفعول له كائناً ﴿من عند﴾ أي: من تلقاء ﴿أنفسهم﴾ أي: لم يأمرهم الله بذلك وإنما حملتهم عليه أنفسهم الخبيثة ﴿من بعدما تبين لهم﴾ في التوراة ﴿الحق﴾ في شأن النبيّ محمد ﷺ ﴿فاعفوا﴾ عنهم أي: اتركوهم ﴿واصفحوا﴾ أي: أعرضوا عنهم فلا تجازوهم وكان هذا قبل آية القتال، ولهذا قال تعالى: ﴿حتى يأتي الله بأمره﴾ فيهم من القتال وقد أذن في قتالهم وضرب الجزية عليهم.
وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنّ هذا منسوخ بقوله تعالى: ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون با ولا باليوم الآخر﴾ الآية (التوبة، ٢٩)، وأبى النسخ جماعة من المفسرين والفقهاء واحتجوا بأنّ الله تعالى لم يأمر بالعفو والصفح مطلقاً وإنما أمر به إلى غاية وما بعد الغاية يخالف ما قبلها وما هذا سبيله لا يكون من باب النسخ بل يكون الأوّل قد انقضت مدّته والآخر يحتاج إلى حكم آخر ﴿إنّ الله على كل شيء قدير﴾ فهو يقدر على الانتقام من الكفار:
وقوله تعالى: ﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ عطف على قوله: فاعفوا كأنه تعالى أمرهم بالصبر والمخالفة واللجوء إليه بالعبادة والبرّ ﴿وما تقدّموا لأنفسكم من خير﴾ أي: طاعة كصلاة وصدقة ﴿تجدوه﴾ أي: ثوابه ﴿عند الله﴾ فيجازيكم به ﴿إنّ الله بما تعملون بصير﴾ لا يضيع عنده عمل عامل.
(١/١٩٦)
---