(٤/١٦٨)
---
في قلوب المجوس، فلما كثرت المعاصي فيهم أزال الله ذلك الرعب عن قلوب المجوس فقصدوهم وبالغوا في قتلهم وإفنائهم وإهلاكهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية قال: أفسدوا المرّة الأولى، فأرسل الله عليهم جالوت فقتلهم وأفسدوا المرّة الثانية فقتلوا يحيى بن زكريا فبعث الله عليهم بختنصر. وعن ابن مسعود قال: كان أوّل الفساد من قتل زكريا فبعث الله عليهم ملك القبط. وعن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: الأولى قتل زكريا والأخرى قتل يحيى. قاله الرازي. واعلم أنه لا يتعلق كثير غرض في معرفة أولئك الأقوام بأعيانهم بل المقصود هو أنهم لما أكثروا من المعاصي سلط الله عليهم أقواماً فقتلوهم وأفنوهم.
ثم قال الله تعالى: ﴿فجاسوا﴾ أي: تردّدوا لطلبكم ﴿خلال الديار﴾ أي: وسطها للقتل والغارة. قال البيضاوي: فقتلوا كبارهم وسبوا صغارهم وحرّقوا التوراة وخرّبوا المسجد، والمعتزلة لما منعوا تسليط الله الكافر على ذلك أولوا البعث بالتخلية انتهى. وفي ذلك تعريض بالزمخشري فإنه قال في «كشافه»: فإن قلت كيف جاز أن يبعث الله تعالى الكفرة على ذلك ويسلطهم عليه. قلت: معناه خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم على أنّ الله عز وجل أسند بعث الكفرة عليهم إلى نفسه فهو كقوله تعالى: ﴿وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون﴾ (الأنعام، ١٢٩)
. ﴿وكان﴾ أي: ذلك البعث ووعد العقاب به ﴿وعداً مفعولاً﴾ أي: قضاء كائناً لازماً لا شك في وقوعه ولا بدّ أن يفعل.
(٤/١٦٩)
---


الصفحة التالية
Icon