(٤/٢٢٣)
---
معنى كونه مذموماً ثم يقال له فعلت هذا الفعل القبيح وما الذي حملك عليه فهذا هو اللوم فأوّل الأمر يصير مذموماً وآخره يصير ملوماً، والفرق بين المخذول والمدحور هو أن المخذول عبارة عن الضعيف يقال تخاذلت أعضاؤه، أي: ضعفت والمدحور هو المطرود والطرد عبارة عن الاستخفاف والإهانة فكونه مخذولاً عبارة عن ترك إعانته وتفويضه إلى نفسه وكونه مدحوراً عبارة عن إهانته فيصير أوّل الأمر مخذولاً وآخره مدحوراً. وقوله تعالى:
﴿فأصفاكم ربكم بالبنين﴾ خطاب للذين قالوا الملائكة بنات الله والهمزة للإنكار، أي: أفخصكم ربكم على وجه الخلوص والصفاء بأفضل الأولاد وهم البنون، ولم يجعل فيهم نصيباً لنفسه ﴿واتخذ من الملائكة إناثاً﴾ أي: بنات لنفسه وهذا خلاف ما عليه معقولكم وعادتكم، فإنّ العبيد لا يستأثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشوائب ويكون أردؤها وأدونها للسادات ﴿إنكم لتقولون قولاً عظيماً﴾ بإضافة الأولاد إليه لأن إثبات الولد يقتضي كونه تعالى مركباً من الأبعاض والأجزاء وذلك يقدح في كونه قديماً واجب الوجود لذاته، وأيضاً فبتقدير ثبوت الولد فقد جعلوا أشرف القسمين لأنفسهم وأخس القسمين لله تعالى وهذا جهل عظيم، وأيضاً جعلوا الملائكة الذين هم من أشرف خلق الله الذين منهم من يقدر على حمل الأرض وقلب أسفلها على أعلاها إناثاً في غاية الرخاوة.
ولما كان في هذا من البيان ما لا يخفى على إنسان ولم يرجعوا أشار إلى أنّ لهم مثل هذا الإعراض عن أمثال هذا البيان فقال تعالى:
﴿ولقد صرّفنا﴾ أي: بينا بياناً عظيماً بأنواع طرق البيان من العبر والحكم والأمثال والأحكام والحجج والإعلام في قوالب الوعد والوعيد والأمر والنهي والمحكم والمتشابه إلى غير ذلك ﴿في هذا القرآن﴾ أي: في مواضع منه من الأمثال كما قال تعالى: ﴿ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل﴾ (الروم، ٥٨)


الصفحة التالية
Icon