وقال إبراهيم النخعي: وإنّ من شيء جماد وحيّ إلا يسبح بحمده حتى صرير الباب ونقيض السقف، وقال مجاهد: كل الأشياء تسبح لله تعالى حيواناً كانت أو جماداً وتسبيحها سبحان الله وبحمده يدل على ذلك ماروي عن ابن مسعود كنا نعدّ الآيات بركة وأنتم تعدّونها تخويفاً كنا مع رسول الله ﷺ في سفر فقلَّ الماء فقال ﷺ «اطلبوا فضلة من ماء فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده ﷺ في الإناء ثم قال: حي على الطهور المبارك والبركة من الله فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابعه ﷺ ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يأكل». وعن جابر بن سمرة أنّ رسول الله ﷺ قال: «إنّ بمكة حجراً كان يسلم عليّ ليالي بعثت إني لأعرفه الآن». وعن ابن عمر أنه ﷺ كان يخطب إلى جذع فلما اتخذ له المنبر تحوّل إليه فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه وفي رواية فنزل فاحتضنه وساره بشيء ففي هذه الأحاديث دليل على أنّ الجماد يتكلم وأنه يسبح.
وقال بعض أهل المعاني: تسبيح السموات والأرض والجمادات والحيوانات سوى العقلاء بلسان الحال حيث تدلّ على الصانع وقدرته ولطيف حكمته فكأنها تنطق بذلك ويصير لها بمنزلة التسبيح. قال البغوي: والأول أصح وهو المنقول عن السلف. وقال ابن الخازن: القول الأول أصح لما دلت عليه الأحاديث وأنه منقول عن السلف. قال البغوي: واعلم أنّ لله تعالى علماً في الجمادات لا يقف عليه غيره فينبغي أن يوكل علمه إليه ﴿ولكن لا تفقهون﴾ أي: لا تفهمون ﴿تسبيحهم﴾ أي: لأنه ليس بلغتكم ﴿إنه كان حليماً غفوراً﴾. ولما ذكر سبحانه وتعالى إثبات الإلهية أتبعه بذكر تقرير النبوّة بقوله تعالى:
(٤/٢٢٧)
---