﴿قال أرأيتك﴾ أي: أخبرني وقرأ نافع بتسهيل الهمزة بعد الراء ولورش وجه ثان وهو أن يبدلها ألفاً وأسقطها الكسائي والباقون بالتحقيق. ﴿هذا الذي كرّمت عليّ﴾ لم كرّمته عليّ مع ضعفه وقويّ فكأنه قيل لقد أتى بالغاية في إساءة الأدب فما كان بعد هذا فقيل: قال مقسماً لأجل استبعاد أن يجترئ أحد هذه الجراءة على الملك الأعلى: ﴿لئن أخرتن﴾ أي: أيها الملك الأعلى تأخيراً ممتدًّا. ﴿إلى يوم القيامة﴾ حياً متمكناً وجواب القسم الموطأ له باللام. ﴿لأحتنكنّ﴾ أي: بالإغواء ﴿ذريته﴾ أي: لاستولين عليهم استيلاء من جعل في حنك الدابة الأسفل حبلاً يقودها به فلا تأبى عليه. وقرأ نافع وأبو عمرو بزيادة ياء بعد النون في أخرتني عند الوصل وحذفها في الوقف، وأثبتها ابن كثير وصلاً ووقفاً وحذفها الباقون وقفاً ووصلاً اتباعاً للرسم.
ولما علم أنه لا يقدر على الجميع قال: ﴿إلا قليلاً﴾ وهم أولياؤك الذين حفظتهم مني كما قال تعالى: ﴿إن عبادي ليس لك عليهم سلطان﴾ (الحجر، ٤٢)
. فإن قيل: كيف ظنّ إبليس هذا الظنّ الصادق بذرية آدم؟ أجيب: بأوجه الأوّل: أنه سمع الملائكة يقولون ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ فعرف هذه الأحوال. الثاني: أنه وسوس إلى آدم ولم يجد له عزماً فقال الظاهر أن أولاده يكونون مثله في ضعف العزم. الثالث: أنه عرف أنه مركب من قوّة بهيمية شهوية وقوّة وهمية شيطانية وقوّة عقلية ملكية، وقوّة سبعية غضبية، وعرف أن بعض تلك القوى تكون هي المستولية في بعض أوّل الخلقة ثم إن القوّة العقلية إنما تكمل في آخر الأمر ومن كان كذلك كان ما ذكره إبليس لازماً له ثم كأنه قيل لقد أطال عدوّ الله الاجتراء فما قال له ربه بعد ذلك فقيل:
(٤/٢٥١)
---


الصفحة التالية
Icon