﴿نحن﴾، أي: بما لنا من العظمة والقدرة الباهرة ﴿نقص عليك﴾ يا أشرف الخلق ﴿نبأهم﴾، أي: خبرهم العظيم قصاً ملتبساً ﴿بالحق﴾، أي: الصدق ﴿إنهم فتية﴾، أي: شبان ﴿آمنوا بربهم﴾، أي: المحسن إليهم الذي تفرد بخلقهم ورزقهم، ثم وصفهم الله تعالى بقوله: ﴿وزنادهم﴾ بعد أن آمنوا ﴿هدى﴾ بما قذفناه في قلوبهم من المعارف ﴿وربطنا على قلوبهم﴾، أي: قويناها فصار ما فيها من القوى مجتمعاً غير مبدد فكانت حالهم في الجلوة حالهم في الخلوة. ﴿إذ قاموا﴾، أي: وقت قيامهم بين يدي الجبار دقيانوس من غير مبالاة به حين عاتبهم على ترك عبادة الأصنام ﴿فقالوا ربنا رب السموات والأرض﴾ وذلك لأنه كان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت فثبت الله تعالى هؤلاء الفتية حتى عصوا ذلك الجبار وأقروا بربوبية الله تعالى وصرحوا بالبراءة من الشرك والأنداد بقولهم: ﴿لن ندعو من دونه إلهاً﴾ لأنّ ما سواه عاجز والله ﴿لقد قلنا إذاً﴾، أي: إذا دعونا من دونه غيره ﴿شططاً﴾، أي: قولاً ذا بعد عن الحق جداً. وقال مجاهد: كانوا أبناء عظماء مدينتهم فخرجوا فاجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد فقال رجل منهم هو أكبر القوم: إني لأجد في نفسي شيئاً ما أظن أنّ أحداً يجده قالوا: ما تجد؟ قال: أجد في نفسي أنّ ربي رب السموات والأرض. قالوا: نحن كذلك في أنفسنا فقاموا جميعاً فقالوا: ﴿ربنا رب السموات والأرض﴾. وقال عطاء: قالوا ذلك عند قيامهم من النوم. قال الرازي: وهو بعيد لأنّ الله تعالى استأنف قصتهم بقوله تعالى: ﴿نحن نقص عليك﴾. وقال عبيد بن عمير: كان أصحاب الكهف فتياناً مطوّقين مسورين ذوي ذوائب، وكان معهم كلب صيدهم فخرجوا في عيد لهم عظيم في زيّ وموكب وأخرجوا معهم آلهتهم التي يعبدونها وقد قذف الله تعالى في قلوب الفتية الإيمان، وكان أحدهم وزير الملك فآمنوا وأخفى كل واحد إيمانه فقالوا في أنفسهم: نخرج من بين أظهر هؤلاء القوم لا يصيبنا عقاب بجرمهم فخرج شاب
(٥/١٨)
---