ولما بين أنه تعالى حفظهم من حرّ الشمس بيّن أنه أنعشهم بروح الهواء وألطفهم بسعة الموضع في فضاء الغار فقال تعالى: ﴿وهم في فجوة منه﴾، أي: في وسط الكهف ومتسعه ينالهم برد الريح ونسيمها، ثم بيّن تعالى نتيجة هذا الأمر الغريب في النبأ العجيب بقوله تعالى: ﴿ذلك﴾، أي: المذكور العظيم ﴿من آيات الله﴾، أي: دلائل قدرته ﴿من يهد الله﴾، أي: الذي له الملك كله يخلق هذه الهداية في قلبه كأصحاب الكهف ﴿فهو المهتد﴾ في، أي: زمان كان فلن تجد له مضلاً مغويا ففي ذلك إشارة إلى أنّ أهل الكهف جاهدوا في الله وأسلموا له وجوههم فلطف بهم وأعانهم وأرشدهم إلى نيل تلك الكرامة السنية والاختصاص بالآية العظيمة، وأنّ كل من سلك طريق المهتدين الراشدين فهو الذي أصاب الفلاح واهتدى إلى السعادة، وقرأ نافع وأبو عمرو بزيادة ياء بعد الدال في الوصل دون الوقف والباقون بحذفها وقفاً ووصلاً. ﴿ومن يضلل﴾، أي: يضله الله تعالى ولم يرشده كدقيانوس وأصحابه ﴿فلن تجد له ولياً﴾، أي: معيناً ﴿مرشداً﴾، أي: يرشده للحق، ثم إنه تعالى عطف على ما مضى بقية أمرهم بقوله تعالى:
﴿وتحسبهم﴾، أي: لو رأيتهم أيها المخاطب ﴿أيقاظاً﴾، أي: منتبهين لأنّ أعينهم مفتحة للهواء لأنه يكون أبقى لها، جمع يقظ بكسر القاف ﴿وهم رقود﴾، أي: نيام جمع راقد قال الزجاج: لكثرة تقلبهم يظنّ أنهم أيقاظ والدليل عليه قوله تعالى: ﴿ونقلبهم﴾، أي: في ذلك حال نومهم تقلباً كثيراً بحسب ما ينفعهم كما يكون النائم ﴿ذات﴾، أي: في الجهة التي هي صاحبة ﴿اليمين﴾ منهم ﴿وذات الشمال﴾ لينال روح النسيم جميع أبدانهم ولا يتأثر ما يلي الأرض منها بطول المكث.
(٥/٢٢)
---