﴿هنالك﴾، أي: في مثل هذه الشدائد العظيمة ﴿الولاية لله﴾، أي: الذي له الكمال كله، وقرأ حمزة والكسائي بكسر الواو وأي الملك والباقون بفتحها، أي: النصرة وقوله تعالى: ﴿الحق﴾ قرأه أبو عمرو والكسائي برفع القاف على الاستئناف والقطع تعليلاً تنبيهاً على أنّ فزعهم في مثل هذه الأزمان إليه تعالى دون غيره برهان قاطع على أنه الحق وما سواه باطل وأنّ الفخر بالعرض الزائل من أجهل الجهل، وأنّ المؤمنين لا يصيبهم فقر ولا يسوغ طردهم لأجله وأنه يوشك أن يعود فقرهم غنى وضعفهم قوّة وقرأه الباقون بخفضها على الوصف، أي: الثابت الذي لا يحول يوماً ولا يزول ولا يغفل ساعة ولا ينام ولا ولاية لغيره بوجه ﴿هو خير ثواباً﴾ من ثواب غيره لو كان يثيب ﴿وخير عقباً﴾، أي: عاقبة للمؤمنين، وقرأ عاصم وحمزة بسكون القاف والباقون بضمها ونصب على التمييز.
ولما تمّ المثل لدنياهم الخاصة بهم التي أنظرتهم فكانت سبباً لشقاوتهم وهم يحسبون أنها عين إسعادهم ضرب لدار الدنيا العامّة لجميع الناس في قلة ثوابها وسرعة فنائها وأنّ من تكبر كان أخس منها فقال:
﴿واضرب﴾، أي: صير ﴿لهم﴾، أي: لهؤلاء الكفار المغترّين بالعرض الفاني المفتخرين بكثرة ذكر الأموال والأولاد وعزة النفر. وقوله تعالى: ﴿مثل الحياة الدنيا﴾ مفعول أوّل ثم ذكر المثل بقوله تعالى: ﴿كماء﴾ وهو المفعول الثاني ﴿أنزلناه﴾ بعظمتنا وقدرتنا وقال تعالى: ﴿من السماء﴾ تنبيهاً على بليغ القدرة في إمساكه في العلو وإنزاله في وقت الحاجة ﴿فاختلط﴾، أي: فتعقب وتسبب عن إنزاله أنه اختلط ﴿به نبات الأرض﴾، أي: التف بسببه حتى خالط بعضه بعضاً من كثرته وتكاثفه كما قال تعالى: ﴿فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت﴾ (الحج، ٥)
(٥/٧٦)
---


الصفحة التالية
Icon