﴿وما منع الناس﴾ أي: الذين جادلوا بالباطل الإيمان هكذا كان الأصل ولكنه عبر عن هذا المفعول الثاني بقوله: ﴿أن يؤمنوا﴾ ليفيد التجديد وذمّهم على الترك ﴿إذ﴾ أي: حين ﴿جاءهم الهدى﴾ أي: القرآن على لسان رسوله ﷺ وعطف على المفعول الثاني معبراً بمثل ما مضى لما مضى قوله تعالى: ﴿ويستغفروا ربهم﴾ أي: لا مانع لهم من الإيمان ولا من الاستغفار والتوبة.
ولما كان الاستثناء مفرغاً أتى بالفاعل فقال: ﴿إلا أن﴾ أي: طلب أن ﴿تأتيهم سنة الأوّلين﴾ أي: سنتنا فيهم وهي الإهلاك المقدّر عليهم ﴿أو﴾ طلب أن ﴿يأتيهم العذاب قبلاً﴾ أي: مقابلة وعياناً وهو القتل يوم بدر، وقيل عذاب الآخرة وقرأ الكوفيون برفع القاف والباء الموحدة والباقون بكسر القاف وفتح الباء الموحدة.
ولما كان ذلك ليس إلى الرسول وإنما هو إلى اللّه تعالى نبه بقوله تعالى:
﴿وما نرسل المرسلين إلا مبشرين﴾ بالثواب على أفعال الطاعة ﴿ومنذرين﴾ بالعقاب على أفعال المعصية فيطلب منهم الظالمون من أممهم ما ليس إليهم ﴿ويجادل الذين كفروا﴾ أي: يجدّدون الجدال كلما أتاهم أمر من قبلنا ﴿بالباطل﴾ من قولهم ما أنتم إلا بشر مثلنا ولو كنتم صادقين لأتيتم بما يطلب منكم مع أن ذلك ليس كذلك إذ ليس لأحد غير اللّه من الأمر شيء ﴿ليدحضوا به﴾ أي: ليبطلوا بجدالهم ﴿الحق﴾ أي: القرآن والمعجزات المثبتة لصدقهم ﴿واتخذوا آياتي﴾ أي: القرآن ﴿وما أنذروا﴾ أي: وإنذارهم أو والذي أنذروا به من العقاب ﴿هزوا﴾ أي: استهزاء وقرأ حفص بالواو وقفاً ووصلاً وحمزة بالواو ووقفاً لا وصلاً وسكن الزاي حمزة ورفعها الباقون ولحمزة في الوقف أيضاً النقل.
ولما حكى اللّه تعالى عن الكفار أحوالهم الخبيثة وصفهم بما يوجب الخزي بقوله تعالى:
(٥/٩٤)
---