روى البخاري حديث أن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل فسئل أي: الناس أعلم قال: أنا فعتب اللّه تعالى عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى اللّه تعالى إليه أنّ لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك قال: يا رب فكيف لي به قال: تأخذ حوتاً فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ثم قال: ﴿لا أبرح﴾ أي: لا أزال أسير في طلب العبد الذي أعلمني ربي بفضله ﴿حتى أبلغ مجمع البحرين﴾ أي: ملتقى بحر الروم وبحر فارس ممايلي الشرق قاله قتادة أي: المكان الجامع لذلك فألقاه هناك ﴿أو أمضي حقباً﴾ أي: دهراً طويلاً في بلوغه إن لم أظفر به بمجمع البحرين الذي جعله ربي موعد إليّ في لقائه والحقب، قال في «القاموس» ثمانون سنة أو أكثر والدهر والسنة والسنون انتهى فسارا وتزوّدا حوتاً مشوياً في مكتل كما أمر به فكانا يأكلان منه إلى أن بلغا المجمع كما قال تعالى:
﴿فلما بلغا مجمع بينهما﴾ أي: بين البحرين قال لفتاه: إذا فقدت الحوت فأخبرني وناما واضطرب الحوت في المكتل وخرج وسقط في البحر فلما استيقظا ﴿نسيا حوتهما﴾ أي: نسي يوشع حمله عند الرحيل ونسي موسى عليه السلام تذكيره وقيل: الناسي يوشع فقط وهو على حذف مضاف أي: نسي أحدهما كقوله تعالى: ﴿يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾ (الرحمن، ٢٢)
﴿فاتخذ﴾ الحوت ﴿سبيله في البحر﴾ أي: جعله بجعل اللّه ﴿سرباً﴾ أي: مثل السرب وهو الشق الطويل لا نفاذ له وذلك أنّ اللّه تعالى أمسك عن الحوت جري الماء فانجاب عنه فبقي كالكوة لم يلتئم وجمد ما تحته، وقد ورد في حديثه في الصحيح أنّ اللّه تعالى أحياه وأمسك عن موضع جريه في الماء فصار طاقاً لا يلتئم وكأنّ المجمع كان ممتداً فظن عليه السلام أنّ المطلوب أمامه أو ظنّ المراد مجمع البحرين آخراً فسارا
(٥/٩٨)
---


الصفحة التالية
Icon