فائدة: قال الرازي: وفي كتب الحكايات أن أهل تلك القرية لما سمعوا نزول هذه الآية استحيوا وجاؤوا إلى رسول اللّه ﷺ بحمل من الذهب وقالوا: يا رسول اللّه جئناك بهذا الذهب لتجعل الباء تاء حتى تصير القراءة هكذا فأتوا أن يضيفوهما أي: أتيناهم لأجل الضيافة حتى يندفع عنا هذا اللوم فامتنع رسول اللّه ﷺ وقال: «تغيير هذه النقطة يوجب دخول الكذب في كلام اللّه تعالى وذلك يوجب القدح في الإلهية» فعلمنا أن تغيير النقطة الواحدة من القرآن يوجب بطلان الربوبية والعبودية. ولما أبوا أن يضيفوهما انصرفا ﴿فوجدا فيها﴾ أي: القرية ولم يقل فيهم إيذاناً بأن المراد وصف القرية بسوء الطبع ﴿جداراً﴾ أي: حائطاً مائلاً مشرفاً على السقوط ولذا قال: مستعيراً لما لم يعقل صفة من يعقل ﴿يريد أن ينقص﴾ أي: يسقط وهذا من مجاز كلام العرب لأنّ الجدار لا إرادة له وإنما معناه قرب ودنا من السقوط كما تقول العرب داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت تقابلها فاستعير الإرادة للمشارفة كما استعير لها الهم والعزم في قوله:
*يريد الرمح صدر أبي براء
** ويعدل عن دماء بني عقيل»
وقول الآخر:
*إنّ دهراً يلف صدري بجمل
** لزمان يهم بالإحسان»
ففي البيت الأوّل دليل على استعارة الإرادة للمشارفة، وفي الثاني دليل على استعارة الهم لها وجمل اسم محبوبته يقول: إن دهراً يجمع بيني وبينها زمان قصده الإحسان لا الإساءة ونظير ذلك من القرآن قوله تعالى: ﴿ولما سكت عن موسى الغضب﴾ (الأعراف، ١٥٤)
وقوله تعالى: ﴿أن يقول له كن فيكون﴾ (يس، ٨٢)
(٥/١١٣)
---