﴿خالدين فيها﴾ حال مقدرة ﴿لا يبغون﴾ أي: لا يريدون أدنى إرادة ﴿عنها حولاً﴾ أي: تحويلاً إلى غيرها، قال ابن عباس: لا يريدون أن يتحوّلوا عنها كما ينتقل الرجل من دار إذا لم توافقه إلى دار أخرى. ولما ذكر تعالى في هذه السورة أنواع الدلائل والبيّنات وشرح فيها أقاصيص الأوّلين والآخرين نبه على حال كمال القرآن بقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم.
﴿قل﴾ يا أشرف الخلق للخلق ﴿لو كان البحر﴾ أي: ماؤه على عظمته عندكم ﴿مداداً﴾ وهو اسم لما يمدّ به الشيء كالحبر للدواة والسليط للسراج ﴿لكلمات﴾ أي: لكتب كلمات ﴿ربي﴾ أي: المحسن إليّ ﴿لنفد﴾ أي: فني مع الضعف فناء لا تدارك له ﴿البحر﴾ لأنه جسم متناه ﴿قبل أن تنفذ﴾ أي: تفنى وتفرغ ﴿كلمات ربي﴾ لأنّ معلوماته تعالى غير متناهية والمتناهي لا يفي البتة بغير المتناهي، وقرأ حمزة والكسائي بالياء التحتية على التذكير والباقون بالفوقية على التأنيث. ولما لم يكن أحد غيره يقدر على إمداد البحر قال تعالى: ﴿ولو جئنا بمثله﴾ أي: بمثل البحر الموجود ﴿مدداً﴾ أي: زيادة ومعونة ونظيره قوله تعالى: ﴿ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام، والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات اللّه﴾ (لقمان، ٢٧)، واختلف في سبب نزول هذه الآية، فقال البغوي وابن عباس: قالت اليهود: تزعم يا محمد أنا قد أوتينا الحكمة، وفي كتابك ﴿ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً﴾ (النبوة، ٢٦٩)، ثم تقول: ﴿وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً﴾، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، وقال البيضاوي: وسبب نزولها أن اليهود قالوا: في كتابكم ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وتقرؤون وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً انتهى. وقال في «الكشاف» يعني أن ذلك خير كثير ولكنه قطرة من بحر كلمات اللّه، وقيل: لما نزل وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً، قالت اليهود: أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. ولما كانوا ربما قالوا: مالك لا تحدّث من