وبقوله تعالى: ﴿فكلي واشربي﴾ فدل على أنه النهر حتى يضاف الماء إلى الرطب فتأكل وتشرب، واحتج من قال: إنه عيسى بأن النهر لا يكون تحتها بل إلى جنبها ولا يجوز أن يجاب عنه بأن المراد أنه جعل النهر تحت أمرها يجري بأمرها ويقف بأمرها كقول فرعون: ﴿وهذه الأنهار تجري من تحتي﴾ (الزخرف، ٥١)
(٥/١٦٨)
---
لأن هذا حمل للفظ على مجازه ولو حملناه على عيسى لم يحتج إلى هذا المجاز وأيضاً فإنه موافق لقوله وجعلنا ابن مريم وأمه آية وأجيب: بأن المكان المستوي إذا كان فيه مبدأ معين فكل من كان أقرب منه كان فوق وكل من كان أبعد منه كان تحت.
تنبيه: إذا قيل بأن السري هو النهر ففيه وجهان؛ الأول: قال ابن عباس: إن جبريل ضرب برجله الأرض، وقيل: عيسى فظهر عين ماء عذب وجرى، وقيل: كان هناك ماء جار، قال ابن عادل: والأول أقرب لأن قوله قد جعل ربك تحتك سرياً يدل على الحدوث في ذلك الوقت ولأن اللّه تعالى ذكره تعظيماً لشأنها، وقيل: كان هناك نهر يابس أجرى اللّه فيه الماء وحييت النخلة اليابسة وأورقت وأثمرت وأرطبت، قال أبو عبيدة والفراء: لسري هو النهر مطلقاً، وقال الأخفش: هو النهر الصغير.
﴿وهزي إليك﴾ أي: أوقعي الهز وهو جذب بتحريك ﴿بجذع النخلة﴾ أي: التي أنت تحتها مع يبسها وكون الوقت ليس وقت حملها ﴿تساقط عليك﴾ من أعلاها ﴿رطباً جنياً﴾ طرياً آية أخرى عظيمة روي أنها كانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا ثمر، وكان الوقت شتاء فهزتها فجعل اللّه تعالى لها رأساً وخوصاً ورطباً، وقرأ حمزة بفتح التاء والسين مخففة وفتح القاف وحفص بضم التاء وفتح السين مخففة وكسر القاف والباقون بفتح التاء وتشديد السين مفتوحة وفتح القاف.
تنبيه: الباء في بجذع زائدة والمعنى هزّي إليك جذع النخلة كما في قوله تعالى: ﴿ولا تلقوا بأيديكم﴾ (البقرة، ١٩٥)
(٥/١٦٩)
---


الصفحة التالية
Icon