تنبيه: إنما قال هارون ذلك شفقة على نفسه وعلى الخلق؛ أما شفقته على نفسه، فلأنه كان مأموراً من عند الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان مأموراً من عند أخيه بقوله: ﴿اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين﴾ (الأعراف، ١٤٢)، فلو لم يشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكان مخالفاً لأمر الله تعالى، ولأمر موسى، وذلك لا يجوز. أوحى الله تعالى إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم، ومائتي ألف من شرارهم، فقال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي، وقال أنس قال رسول الله ﷺ «من أصبح وهمه غير الله فليس من الله في شيء، ومن أصبح لا يهتم بالمسلمين، فليس منهم» وعن النعمان بن بشير عن النبي ﷺ «مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد» وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: «خرجت أريد النبي ﷺ فإذا أبو بكر وعمر عنده، فجاء صغير يبكي، فقال لعمر: ضم الصبي إليك، فإنه ضال، فأخذه عمر، وإذا أم الصبي تولول كاشفة عن رأسها جزعاً على ابنها، فقال النبي ﷺ أدرك المرأة، فنادها، فجاءت، وأخذت ولدها، وجعلت تبكي والصبي في حجرها، فالتفتت، فرأت النبي ﷺ فاستحيت، فقال النبي ﷺ عند ذلك: أترون هذه رحيمة بولدها؟ قالوا: يا رسول الله كفى بهذه رحمة، فقال: والذي نفسي بيده إن الله أرحم بالمؤمنين من هذه بولدها» ولقد سلك هارون في موعظته أحسن الوجوه؛ لأنه زجرهم عن الباطل أولاً بقوله: إنما فتنتم به، ثم دعاهم إلى معرفة الله ثانياً بقوله: وإن ربكم الرحمن، ثم دعاهم ثالثاً إلى النبوة بقوله: فاتبعوني، ثم دعاهم رابعاً بقوله: وأطيعوا أمري، وهذا هو الترتيب الجيد؛ لأنه لا بد قبل كل شيء من إماطة الأذى عن الطريق، وهو إزالة الشبهات، ثم معرفة