(٥/٢٩٩)
---
الله تعالى، فإنها هي الأصل، ثم النبوة، ثم الشريعة، فثبت أن هذا الترتيب أحسن الوجوه؛ لأنه زجرهم عن الباطل أولاً، ولما ذكر الله تعالى ما قال هارون تشوقت النفس إلى علم ما قال موسى فقيل:
﴿قال يا هارون﴾ أنت نبي الله، وأخي ووزيري وخليفتي، فأنت أولى الناس بأن ألومه، وأحقهم بأن أعاتبه ﴿ما منعك إذ﴾ أي: حين ﴿رأيتهم ضلوا﴾ عن طريق الهدى واتبعوا سبيل الردى
﴿أن لا تتبعني﴾ في سيرتي من الأخذ على يد الظالم طوعاً أو كرهاً.
(٥/٣٠٠)
---
تنبيه: لا مزيدة للتأكيد؛ لأن النافي إذا زيد في كلام كان نافياً لضد مضمونه فيفيد إثباتاً للمضمون ونفياً لضده، فيكون ذلك في غاية التأكيد، وأثبت الياء بعد النون ابن كثير وقفاً ووصلاً، وأثبتها نافع، وأبو عمرو وصلاً لا وقفاً، وحذفها الباقون وصلاً ووقفاً ﴿أفعصيت﴾ أي: فتكبرت عن اتباعي، فتسبب عن ذلك أنك عصيت ﴿أمري﴾ وأخذ بلحيته وبرأسه يجره إليه غضباً لله تعالى، فكأنه قيل: ما قال له؟ فقال:
﴿قال﴾ مجيباً له مستعطفاً بذكر أول وطن ضمهما بعد نفخ الروح مع ما له من الرقة والشفقة ﴿يا ابن أمّ﴾ فذكره بها خاصة وإن كان شقيقه؛ لأنها يسوءها ما يسوءه، وهي أرق من الأب، وقرأ نافع وابن كثير، وأبو عمرو وحفص بفتح الميم، وكسرها ابن عامر وشعبة وحمزة والكسائي ﴿لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي﴾ أي: بشعرهما. ثم علل ذلك بقوله: ﴿إني خشيت أن تقول﴾ إذا شددت عليهم حتى يصل الأمر إلى القتال ﴿فرقت بين بني إسرائيل﴾ يفعلك هذا الذي لم يجسد شيئاً لقلة من كان معك وضعفك عن ردهم ﴿ولم ترقب قولي﴾ ﴿اخلفني في قومي، وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين﴾ (الأعراف، ١٤٢)، ولم تقل: وارددهم، ولو أدى الأمر إلى السيف، ولما فرغ من نصيحة أقرب الناس إليه، وأحقهم بنصيحته وحفظه على الهدى إذ كان رأس الهداة تشوف السامع إلى ما كان من غيره، فاستأنف تعالى ذكره بقوله:


الصفحة التالية
Icon