﴿يومئذٍ﴾ أي: يوم إذ نسفت الجبال ﴿يتبعون﴾ أي: الناس بعد القيام من القبور بغاية جهدهم ﴿الداعي﴾ أي: إلى المحشر، وهو إسرافيل يضع الصور على فيه ويقف على صخرة بيت المقدس ويقول: أيتها العظام البالية، والجلود الممزقة واللحوم المتفرقة هلموا إلى عرض الرحمن ﴿لا عوج له﴾ أي: الداعي في شيء من قصدهم إليه؛ لأنه ليس في الأرض ما يحوجهم إلى التعويج، ولا يمنع الصوت من النفوذ على السواء، وقيل: لا عوج لدعائه، وهو من المقلوب، أي: لا عوج له عن دعاء الداعي لا يزيغون عنه يميناً ولا شمالاً، ولا يقدرون عليه، بل يتبعونه سراعاً ﴿وخشعت الأصوات﴾ أي: سكنت وذلت وتطامنت لخشوع أهلها ﴿للرحمن﴾ الذي عمت نعمه، فيرجى كرمه، وتخشى نقمه ﴿فلا﴾ أي: فتسبب عن خشوعها أنك لا ﴿تسمع إلا همساً﴾ أخفى ما يكون من الأصوات، وقيل: أخفى شيء من أصوات الأقدام في نقلها إلى المحشر كصوت أخفاف الإبل في مشيها.
﴿يومئذٍ﴾ أي: إذا كان ما تقدم ﴿لا تنفع الشفاعة﴾ أحداً ﴿إلا من أذن له الرحمن﴾ أن يشفع له ﴿ورضي له قولاً﴾ ولو الإيمان المجرد قال ابن عباس: يعني قال: لا إله إلا الله، فهذا يدل على أنه لا يشفع لغير المؤمن، ولما نفى أن تنفع شفاعة بغير إذنه علل ذلك كما سلف في آية الكرسي بقوله:
﴿يعلم ما بين أيديهم﴾ أي: الخلائق من أمور الآخرة ﴿وما خلفهم﴾ من أمور الدنيا، وقيل: ما بين أيديهم ما قدموا وما خلفهم ما خلفوا من الأعمال ﴿ولا يحيطون به علماً﴾ أي: لا يحيط علمهم بمعلوماته، وقيل: الضمير إلى ما أي: يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، وهم لا يعلمونه، وقيل: راجع إلى الله تعالى أي: ولا يحيطون بالله علماً، ولما ذكر خشوع الأصوات أتبعه خضوع ذويها، فقال:
(٥/٣١٠)
---