﴿وعنت الوجوه﴾ أي: ذلت وخضعت في ذلك اليوم، ويصير الملك والقهر لله تعالى دون غيره، وخص الوجوه بالذكر مع أن المراد الأشخاص لشرف الوجوه، ولأنها أول ما يظهر فيها الذل ﴿للحي﴾ الذي هو مطلع على الدقائق والجلائل ﴿القيوم﴾ الذي لا يغفل عن التدبير ومجازاة كل نفس بما كسبت؛ روى ابن أسامة الباهلي عن النبي ﷺ أنه قال: «اطلبوا اسم الله الأعظم في هذه السور الثلاث: البقرة وآل عمران، وطه»، قال الرازي: فوجدنا المشترك في السور الثلاث: الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم ﴿وقد خاب﴾ أي: خسر خسارة ظاهرة ﴿من حمل ظلماً﴾ قال ابن عباس: خسر من أشرك بالله، والظلم الشرك. ولما شرح الله تعالى أحوال القيامة ختم الكلام فيها بشرح أحوال المؤمنين، فقال:
﴿ومن يعمل من الصالحات﴾ أي: التي أمره الله تعالى بها بحسب طاقته؛ لأنه لن يقدر الله أحد حق قدره، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ﴿وهو مؤمن﴾ ليكون بناؤها على الأساس كما في قوله تعالى: ﴿ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات﴾ (ظه، ٧٥)
﴿فلا يخاف ظلماً﴾ أي: بزيادة في سيئاته ﴿ولا هضماً﴾ أي: بنقص من حسناته؛ قاله ابن عباس، وقيل: لا يؤاخذ بذنب لم يعمله، ولا تبطل حسنة عملها، وعبّر تعالى بالفاء إشارة إلى قبول الأعمال وجعلها سبباً لذلك الحال، وأما غير المؤمن، فلو عمل أمثال الجبال لم يكن لها وزن، وقوله تعالى:
(٥/٣١١)
---


الصفحة التالية
Icon