﴿فتعالى الله﴾ في ذاته وصفاته عن مماثلة المخلوقين لا يماثل كلامه كلامهم كما لا تماثل ذاته وصفاته ذاتهم وصفاتهم ﴿الملك﴾ الذي لا يعجزه شيء، فلا ملك في الحقيقة غيره ﴿الحق﴾ أي: الثابت الملك، فلا زوال لكونه ملكاً في زمن ما، ولعظمة ملكه وحقية ذاته وصفاته صرف خلقه على ما هم عليه من الأمور المتباينة، ولما شرح الله تعالى كيفية نفع القرآن للمكلفين، وبيّن أنه سبحانه وتعالى متعالٍ عن كل ما لا ينبغي موصوف بالإحسان والرحمة، ومن كان كذلك صان رسوله عن السهو والنسيان في أمر الوحي، فلذلك قال تعالى: ﴿ولا تعجل بالقرآن﴾ أي: بقراءته ﴿من قبل أن يقضى إليك وحيه﴾ من الملك النازل به إليك من حضرتنا كما أنا لم نعجل بإنزاله عليك جملة بل رتلناه لك ترتيلاً، ونزلناه إليك تنزيلاً مفصلاً تفصيلاً، وموصلاً توصيلاً، فاستمع له ملقياً جميع تأملك إليه، ولا تساوقه بالقراءة، فإذا فرغ فاقرأه، فإنا نجمعه في قلبك، ولا نكلفك المساوقة بتلاوته ﴿وقل رب﴾ أيها المحسن إليّ بإفاضة العلوم عليّ ﴿زدني علماً﴾ أي: سل الله زيادة العلم بدل الاستعجال، فإن ما أوحي إليك تناله لا محالة؛ روى الترمذي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله ﷺ يقول: «اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً، والحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار» وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال: اللهم زدني علماً ويقيناً، ولما قال تعالى: ﴿كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق﴾ (طه، ٩٩)
ذكره هذه القصة إنجازاً للوعد، فقال تعالى:
(٥/٣١٣)
---
﴿ولقد عهدنا﴾ بما لنا من العظمة ﴿إلى آدم﴾ أبي البشر أي: وصيناه أن لا يأكل من الشجرة، وإنما عطفها على قوله تعالى: ﴿وصرفنا فيه من الوعيد﴾ (طه، ١١٣)


الصفحة التالية
Icon