للدلالة على أن أساس بني آدم على العصيان، وعرقهم راسخ بالنسيان ﴿من قبل﴾ أي: في زمن من الأزمان الماضية قبل هؤلاء الذين تقدّم في هذه السورة ذكر نسيانهم وإعراضهم ﴿فنسي﴾ عهدنا، وأكل منها ﴿ولم نجد له عزماً﴾ أي: تصميم رأي وثبات على الأمر؛ إذ لو كان ذا عزيمة وتصلب لم يزله الشيطان، ولم يستطع تغريره؛ قال البيضاوي: ولعل ذلك كان في بدء أمره قبل أن يجرب الأمور ويذوق أريها وشريها انتهى، والأري العسل، والشري: الحنظل؛ قال البغوي: قال أبو أمامة الباهلي: لو وزن حلم آدم بحلم ولده لرجح حلمه، وقد قال الله تعالى: ﴿ولم نجد له عزماً﴾، وقال البيضاوي: وعن النبي ﷺ «لو وزنت أحلام بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه»، وقد قال تعالى: ولم نجد له عزماً، قال ابن الأثير: والحلم بالكسرة الأناة والتثبت في الأمور.
فإن قيل: ما المراد بالنسيان أجيب بأنه يجوز أن يراد بالنسيان الذي هو نقيض الذكر، وإنه لم يعنِ بالوصية العناية الصادقة، ولم يستوثق منها بقصد القلب عليها، وضبط النفس حتى تولد من ذلك النسيان، ولم يكن النسيان في ذلك الوقت مرفوعاً عن الإنسان بل كان يؤاخذ به، وإنما رفع عنا، وكان الحسن يقول: ما عصى أحد قط إلا بنسيان، وإن يراد الترك وأنه ترك ما أوصي به من الاحتراز عن الشجرة وأكل ثمرتها، وقيل: نسي عقوبة الله تعالى، وظن أنه نهي تنزيه.
(٥/٣١٥)
---


الصفحة التالية
Icon