﴿أم اتخذوا من دونه آلهة﴾ كرّره استفظاعاً لشأنهم واستعظاماً لكفرهم، وإظهاراً لجهلهم، ولما كان جوابهم: اتخذنا ولا نرجع، أمر الله تعالى نبيه بجوابهم فقال: ﴿قل هاتوا برهانكم﴾ على ما ادّعيتموه من عقل أو نقل كما أتيت أنا ببرهان النقل المؤيد بالعقل، ولما كان تعالى لا يؤاخذ بمخالفة العقل ما لم ينضمّ إليه دليل النقل أتبعه قوله مشيراً إلى ما بعث الله تعالى به الرسل من الكتب ﴿هذا ذكر﴾ أي: موعظة وشرف ﴿من معي﴾ ممن آمن بي وهو القرآن الذي عجزتم عن معارضته ﴿وذكر﴾ أي: وهذا ذكر ﴿من قبلي﴾ من الأمم الماضية وهو التوراة والإنجيل، وغيرهما من الكتب السماوية، فانظروا هل تجدون فيها إلا الأمر بالتوحيد والنهي عن الإشراك، ولما كانوا لا يجدون شبهة لهم فضلاً عن حجة ذمّهم الله تعالى على جهلهم بمواضع الحق فقال تعالى: ﴿بل أكثرهم﴾ أي: هؤلاء المدّعون ﴿لا يعلمون الحق﴾ فلا يميزون بينه وبين الباطل بل أكثرهم جهلة، والجهل أصل الشرّ والفساد ﴿فهم﴾ أي: فتسبب عن جهلهم ما افتتحنا به السورة من أنهم ﴿معرضون﴾ عن التوحيد واتباع الرسل، ولما كان الإرسال بالفعل غير مستغرق للزمان المتقدّم كما أنّ الرسالة لا يقوم بها كل واحد، فكذلك الإرسال لا يصلح له كل زمن أثبت الجار في قوله تعالى:
﴿وما أرسلنا من قبلك﴾ وأغرق في النفي فقال: ﴿من رسول﴾ في شيع الأوّلين ﴿إلا نوحي إليه﴾ من عندنا ﴿أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾ وهذا مقرّر لما سبقه من آي التوحيد، وقال تعالى: إلا أنا، ولم يقل: نحن لئلا يجعلوا ذلك وسيلة إلى ما ادّعوه من تعدّد الآلهة، ولذلك قال: فاعبدون بالإفراد، وقرأ حفص وحمزة والكسائي بالنون وكسر الحاء، والباقون بالياء وفتح الحاء، ولما بيّن سبحانه وتعالى بالدلائل الباهرة كونه منزهاً عن الشريك والضدّ والندّ أردف ذلك ببراءته عن اتخاذ الولد بقوله:
(٥/٣٥١)
---