وقيل: إن الحوت ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة، وقيل: بلغ به تخوم الأرض السابعة، ومنعناه أن يكون له طعاماً، فنادى ﴿في الظلمات﴾ ظلمة الليل وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت وقيل: في الظلمة الشديدة المتكاثفة في بطن الحوت كقوله تعالى: ﴿ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات﴾ (البقرة، ١٧)
وقوله: ﴿يخرجهم من النور إلى الظلمات﴾ (البقرة، ٢٥٧)، وقيل: ابتلع حوته حوت أكبر منه فجعل في ظلمتي بطن الحوتين، وظلمة البحر ﴿أن لا إله إلا أنت﴾ ولما نزهه عن الشريك عمم فقال تعالى: ﴿سبحانك﴾ أي: تنزهت عن كل نقص فلا يقدر على الإنجاء مما أنا فيه إلا أنت، ثم أفصح بطلب الخلاص بقوله ناسباً إلى نفسه من النقص ما نزه الله عن مثله ﴿إني كنت من الظالمين﴾ أي: في خروجي من بين قومي قبل الإذن فاعف عني كما هي سيرة القادرين. روي عن أبي هريرة مرفوعاً «أوحى الله تعالى إلى الحوت أن خذه، ولا تخدش له لحماً، ولا تكسر له عظماً، فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه في البحر، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حساً فقال في نفسه: ما هذا، فأوحى الله تعالى إليه أنّ هذا تسبيح دواب البحر؛ قال: فسبح هو في بطن الحوت فسمع الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة، وفي رواية صوتاً معروفاً من مكان مجهول، فقال ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت، فقالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح قال نعم فشفعوا فيه عند ذلك، فأمر الحوت فقذفه في الساحل كما قال تعالى فنبذناه بالعراء وهو سقيم» فذلك قوله تعالى:
﴿فاستجبنا له﴾ أي: أجبناه ﴿ونجيناه من الغم﴾ أي: من تلك الظلمات بتلك الكلمات ﴿وكذلك﴾ أي: وكما نجيناه ﴿ننجي المؤمنين﴾ من كربهم إذا استغاثوا بنا داعين قال الرازي في اللوامع: وشرط كل من يلتجىء إلى الله أن يبدأ بالتوحيد ثم بعده بالتسبيح والثناء، ثم بالاعتراف والاستغفار والاعتذار، وهذا شرط كل داع١. ه.
(٥/٤١٠)
---