﴿فاستجبنا له﴾ بعظمتنا وإن كان في حدّ من السن لا حراك به معه، وزوجه في حال من العقم لا يرجى معه حبلها فكيف وقد جاوزت سن اليأس، ولذلك عبر بما يدل على العظمة، فقال تعالى: ﴿ووهبنا له يحيى﴾ ولداً وارثاً نبياً حكيماً عظيماً ﴿وأصلحنا له﴾ خاصة من بين أهل ذلك الزمان ﴿زوجه﴾ أي: جعلناها صالحة لكل خير خالصة له، فأصلحناها للولادة بعد عقمها، وأصلحناها لزكريا بعد أن كانت سريعة الغضب سيئة الخلق، فأصلحناها له ورزقناها حسن الخلق ﴿إنهم﴾ أي: الأنبياء الذين سماهم في هذه السورة وقيل: زكريا وزوجه ويحيى ﴿كانوا﴾ أي: جبلة وطبعاً ﴿يسارعون في الخيرات﴾ أي: الطاعات يبالغون في الإسراع بها مبالغة من يسابق آخر، ودل على عظيم أفعالهم بقوله تعالى: ﴿ويدعوننا﴾ مستحضرين لجلالنا وعظمتنا وكمالنا ﴿رغباً﴾ أي: طمعاً في رحمتنا ﴿ورهباً﴾ أي: خوفاً من عذابنا ﴿وكانوا﴾ أي: جبلة وطبعاً ﴿لنا﴾ خاصة ﴿خاشعين﴾ أي: خائفين خوفاً عظيماً يحملهم على الخضوع والانكسار، قال مجاهد: الخشوع هو الخوف اللازم للقلب، وقيل: متواضعين، وسئل الأعمش عن هذه الآية فقال: أما إني سألت إبراهيم فقال: ألا تدري؟ قلت: أفدني، قال: بينه وبين الله إذا أرخى ستره عليه وأغلق بابه فلير الله منه خيراً لعلك ترى أنه يأكل خشناً ويلبس خشناً ويطأطىء رأسه.
القصة العاشرة: قصة مريم وابنها عليهما السلام المذكورة في قوله تعالى:
﴿والتي﴾ أي: واذكر مريم التي ﴿أحصنت فرجها﴾ أي: حفظته من الحلال والحرام حفظاً يحق له أن يذكر ويتحدّث به كما قال تعالى حكاية عنها، ﴿ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً﴾ (مريم، ٢٠)
(٥/٤١٢)
---


الصفحة التالية
Icon