؛ لأنّ ذلك غاية في العفة والصيانة والتخلي عن الملاذ إلى الانقطاع إلى الله تعالى بالعبادة مع ما جمعت مع ذلك من الأمانة والاجتهاد في متانة الديانة والصحيح أنها ليست بنبية ﴿فنفخنا فيها من روحنا﴾ أي: أمرنا جبريل حتى نفخ في جيب درعها فأحدثنا بذلك النفخ المسيح في بطنها، وأضاف الروح إليه تعالى تشريفاً لعيسى عليه السلام كبيت الله وناقة الله.
ثم بيّن تعالى ما خص مريم وعيسى من الآيات فقال تعالى: ﴿وجعلناها وابنها﴾ أي: قصتهما أو حالهما، ولذلك وحد قوله تعالى: ﴿آية للعالمين﴾ من الجنّ والإنس والملائكة، وإنّ تأمّل حالهما تحقق كمال قدرة الله تعالى فإن قيل: هلا قال تعالى آيتين كما قال تعالى: ﴿وجعلنا الليل والنهار آيتين﴾ (الإسراء، ١٢)
أجيب: بما تقدّم وبأن الآية كانت فيهما واحدة وهي أنها أتت به من غير فحل.
وههنا آخر القصص. ولما دل ما مضى من قصص هؤلاء الأنبياء عليهم السلام أنهم كلهم متفقون على التوحيد الذي هو أصل الدين قال تعالى:
﴿إن هذه﴾ أي: ملة الإسلام ﴿أمّتكم﴾ أي: دينكم أيها المخاطبون أي: يجب أن تكونوا عليها حال كونها ﴿أمة﴾ قال البغوي وأصل الأمّة الجماعة التي هي على مقصد واحدأ. ه فجعل الشريعة أمّة لاجتماع أهلها على مقصد واحدأ. ه ثم أكد سبحانه وتعالى هذا المعنى بقوله تعالى: ﴿واحدة﴾ فأبطل ما سوى الإسلام من الأديان ﴿وأنا ربكم﴾ أي: المحسن إليكم لا غيري في كل زمان فإني لا أتغير على طول الدهر، ولا يشغلني شأن عن شأن ﴿فاعبدون﴾ دون غيري فإنه لا كفء لي، ثم إنّ بعضهم خالف الأمر بالاجتماع كما أخبر الله تعالى
﴿وتقطعوا﴾ أي: بعض المخاطبين ﴿أمرهم بينهم﴾ أي: تفرقوا أمر دينهم متخالفين فيه وهم طوائف اليهود والنصارى؛ قال الكلبي: فرّقوا دينهم بينهم يلعن بعضهم بعضاً ويتبرأ بعضهم من بعض.
(٥/٤١٣)
---