ثم وعد من امتثل الأمر بقوله تعالى: ﴿وبشر المحسنين﴾ أي: المخلصين فيما يفعلونه ويذرونه كما قال تعالى من قبل ﴿وبشر المخبتين﴾ والمحسن هو الذي يفعل الحسن من الأعمال ويتمسك به فيصير مخبتاً إلى نفسه بتوفير الثواب عليه، وقال ابن عباس: الموحدين. وقوله تعالى:
(٥/٤٧٣)
---
﴿إنّ الله﴾ أي: الذي لا كفء له ﴿يدفع عن الذين آمنوا﴾ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وسكون الدال وفتح الفاء والباقون بضم الياء وفتح الدال وبعدها ألف وكسر الفاء أي: يبالغ في الدفع مبالغة من يغالب فيه ولم يذكر الله تعالى ما يدفعه عنهم حتى يكون أعظم وأفخم وأعمّ وإن كان في الحقيقة أنه يدفع بأس المشركين فلذلك قال تعالى بعده ﴿إنّ الله﴾ أي: الذي له صفات الكمال ﴿لا يحب﴾ أي: لا يكرم كما يفعل المحب ﴿كل حوّان﴾ في أمانته ﴿كفور﴾ لنعمته وهم المشركون، قال ابن عباس: خانوا الله فجعلوا معه شريكاً وكفروا نعمه، فنبه بذلك على أنه يدفع عن المؤمنين كيد من هذه صفته وقال مقاتل: يدفع عن الذين آمنوا بمكة حين أمر المؤمنين بالكف عن كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم فاستأذنوا النبيّ ﷺ في قتلهم سرّاً فنهاهم عن ذلك ثم أذن الله تعالى لهم قتالهم بقوله تعالى: ﴿أذن للذين يقاتلون﴾ أي: المشركين والمأذون فيه وهو في القتال محذوف لدلالة يقاتلون عليه ﴿بأنهم﴾ أي بسبب أنهم ﴿ظلموا﴾ فكانوا يأتونه ﷺ بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه فيقول لهم: اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزلت وهي أوّل آية نزلت في القتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية وقيل نزلت في قوم بأعيانهم مهاجرين من مكة إلى المدينة فاعترضهم مشركو مكة فأذن الله لهم في قتال الكفار الذي منعوهم من الهجرة بأنهم ظلموا واعتدوا عليهم بالإيذاء وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم بضم الهمزة والباقون بفتحها.
(٥/٤٧٤)
---