﴿رب فلا تجعلني﴾ بإحسانك إليّ ﴿في القوم الظالمين﴾ أي: قرينا لهم في العذاب.
(٦/٥٨)
---
فإن قيل: كيف يجوز أن يجعل الله تعالى نبيه ﷺ المعصوم مع الظالمين حتى يطلب أن لا يجعله معهم؟ أجيب: بأنه يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله، وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله إظهاراً للعبودية وتواضعاً لربه وإخباتاً له واستغفاره ﷺ إذا قام من مجلسه سبعين مرة أو مائة مرة لذلك وما أحسن قول الحسن في قول أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: وليتكم ولست بخيركم، كان يعلم أنه خيرهم ولكن المؤمن يهضم نفسه وإنما ذكر ربه مرتين مرة قبل الشرط، ومرة قبل الجزاء مبالغة في التضرع.
﴿وإنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿على أن نريك﴾ أي: قبل موتك ﴿ما نعدهم﴾ من العذاب ﴿لقادرون﴾ لكنا نؤخره علماً بأن بعضهم أو بعض أعقابهم يؤمنون وهو صادق بالقتل يوم بدر أو فتح مكة، ثم كأنه قال: فماذا أفعل فيما تعلم من أمرهم، فقال تعالى:
﴿ادفع بالتي هي أحسن﴾ أي: من الأقوال والأفعال بالصفح والمداراة ﴿السيئة﴾ أذاهم إياك وهذا قبل الأمر بالقتال فهي منسوخة، وقيل: محكمة لأن المداراة محثوث عليها ما لم تؤد إلى نقصان دين أو مروءة ﴿نحن أعلم بما يصفون﴾ في حقك وحقنا، فلو شئنا منعناهم منه أو عاجلناهم بالعذاب، وليس أحد بأغير منا فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ولما أدب سبحانه وتعالى رسوله ﷺ بأن يدفع بالتي هي أحسن علمه ما به يقوى على ذلك بقوله تعالى:
﴿وقل رب﴾ أي: أيها المحسن إليّ ﴿أعوذ بك﴾ أي: ألتجىء إليك ﴿من همزات الشياطين﴾ أي: أن يصلوا إليّ بوساوسهم، وأصل الهمز النخس ومنه مهماز الرائض شبه حثهم الناس على المعاصي بهمز الرائض الدواب على المشي وإنما جمع همزات لتنوع الوسواس أو لتعدد المضاف إليه.
(٦/٥٩)
---