﴿إنْ﴾ مخففة من الثقيلة أي: إنه ﴿كاد ليضلنا﴾ أي: يصرفنا ﴿عن آلهتنا﴾ أي: عن عبادتها بفرط اجتهاده في الدعاء إلى التوحيد وكثرة ما يورد مما سبق إلى الذهن أنها حجج ومعجزات ﴿لولا أن صبرنا﴾ أي: بما لنا من الاجتماع والتعاضد ﴿عليها﴾ أي: على التمسك بعبادتها قال الله تعالى: ﴿وسوف يعلمون﴾ أي: في حال لا ينفعهم فيه العمل ولا العلم وإن طالت مدة الإمهال في التمكين ﴿حين يرون العذاب﴾ عياناً في الآخرة ﴿من أضل سبيلاً﴾ أي: أخطأ طريقاً أهم أم المؤمنون، ولما كان ﷺ حريصاً على رجوعهم ولزوم ما ينفعهم واجتناب ما يضرهم سلاه تعالى بقوله تعالى متعجباً من حالهم:
(٦/٢٢٩)
---
﴿أرأيت﴾ أي: أخبرني ﴿من اتخذ إلهه هواه﴾ أي: أطاعه وبنى عليه دينه، لا سمع حجة ولا نظر دليلاً فإن قيل: لم أخر هواه والأصل قولك: اتخذ الهوى إلهاً؟ أجيب: بأنه ما هو إلا تقديم المفعول الثاني على الأول للعناية كما تقول: علمت منطلقاً زايداً لفضل عنايتك بالمنطلق، ولما كان لا يقدر على صرف الهوى إلا الله تعالى تسبب عن شدة حرصه على هداهم قوله تعالى: ﴿أفأنت تكون عليه وكيلاً﴾ أي: حافظاً تحفظه من اتباع هواه لا قدرة لك على ذلك.
﴿أم تحسب أن أكثرهم﴾ أي: هؤلاء المدعوّين ﴿يسمعون﴾ أي: سماع من ينزجر ولو كان غير عاقل كالبهائم ﴿أو يعقلون﴾ أي: كالبهائم ما يرون، وإن لم يكن لهم سمع حتى تطمع في رجوعهم باختيارهم من غير قسر فإن قيل: إنه تعالى لما نفى عنهم السمع والعقل فكيف ذمهم على الإعراض عن الدين وكيف بعث إليهم الرسول، فإن من شرط التكليف العقل؟ أجيب: بأنه ليس المراد أنهم لا يعقلون شيئاً بل المراد أنهم لم ينتفعوا بذلك العقل، فهو كقول الرجل لغيره إذا لم يفهم: إنما أنت أعمى وأصم فإن قيل: لم خص الأكثر بذلك دون الكل؟ أجيب: بأنه كان منهم من آمن، ومنهم من عقل الحق فكابر استكباراً وخوفاً على الرياسة.
(٦/٢٣٠)
---


الصفحة التالية
Icon