﴿إن نشأ ننزل عليهم﴾ وعبر بالمضارع فيهما إعلاماً بدوام القدرة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بسكون النون الثانية وإخفائها عند الزاي وتخفيف الزاي، والباقون بفتح النون وتشديد الزاي، ثم قال تعالى محققاً للمراد ﴿من السماء﴾ أي: التي جعلنا فيها بروجاً للمنافع، وأشار إلى تمام القدرة بتوحيدها بقوله تعالى: ﴿آية﴾ أي: قاهرة كما فعلنا ببعض من قبلهم بنتق الجبل ونحوه.
تنبيه: هنا همزتان مختلفتان، أبدل نافع وابن كثير وأبو عمرو الهمزة الثانية المفتوحة بعد المكسورة ياء خالصة، وحققها الباقون. ثم أشار تعالى إلى تحقق هذه الآية بالتعبير بالماضي في قوله تعالى عطفاً على ننزل لأنه في معنى أنزلنا ﴿فظلت﴾ أي: عقب الإنزال من غير مهلة ﴿أعناقهم﴾ أي: التي هي موضع الصلابة وعنها تنشأ حركات الكبر والإعراض ﴿لها خاضعين﴾ أي: منقادين.
تنبيه: خاضعين: خبر عن أعناقهم، واستشكل جمعه جمع سلامة لأنه مختص بالعقلاء؟ وأجيب عنه بأوجه: أحدها: أن المراد بالأعناق رؤساءهم ومقدموهم شبهوا بالأعناق كما يقال لهم الرؤوس والنواصي والصدور، قال القائل:
*في محفل من رؤوس الناس مشهود*
ثانيها: أنه على حذف مضاف أي: فظل أصحاب الأعناق ثم حذف وبقي الخبر على ما كان عليه قبل الحذف المخبر عنه مراعاة للمحذوف.
ثالثها: أنه لما أضيف إلى العقلاء اكتسب منهم هذا الحكم كما يكتسب التأنيث بالإضافة لمؤنث في قوله:
*كما شرقت صدر القناة من الدم*
رابعها: قال الزمخشري: أصل الكلام فظلوا لها خاضعين فأقحمت الأعناق لبيان موضع الخضوع وترك الكلام على أصله كقولهم: ذهبت أهل اليمامة كأن الأهل غير مذكور، ونوزع في التنظير لأنّ أهل ليس مقحماً البتة لأنه المقصود بالحكم.
خامسها: أنها عوملت معاملة العقلاء، كقوله تعالى: ﴿ساجدين﴾ (يوسف، ٤) ﴿وطائعين﴾ (فصلت، ١١) في يوسف والسجدة، وقيل إنما قال تعالى: ﴿خاضعين﴾ لموافقة رؤوس الآي لتكون على نسق واحد.
(٧/٤)
---


الصفحة التالية
Icon