﴿وما يأتيهم﴾ أي: الكفار ﴿من ذكر﴾ أي: موعظة أو طائفة من القرآن يذكروننا به فيكون سبب ذكرهم وشرفهم ﴿من الرحمن﴾ أي: الذي أنكروه مع إحاطة نعمه بهم ﴿محدث﴾ أي: بالنسبة إلى تنزيله وعلمهم به وأشار تعالى إلى دوام كبرهم بقوله تعالى: ﴿إلا كانوا عنه معرضين﴾ أي: إعراضاً هو صفة لهم لازمة، ولما كان حال المعرض عن الشيء حال المكذب به قال تعالى.
﴿فقد﴾ أي: فتسبب عن هذا الفعل منهم أنه قد ﴿كذبوا﴾ أي: بالذكر بعد إعراضهم وأمعنوا في تكذيبه بحيث أدى بهم إلى الاستهزاء به المخبر به عنهم ضمناً في قوله تعالى: ﴿وسيأتيهم﴾ أي: إذا مسهم عذاب الله تعالى يوم بدر ويوم القيامة ﴿أنباء﴾ أي: عظيم أخبار وعواقب ﴿ما﴾ أي: العذاب الذي ﴿كانوا به يستهزؤن﴾ أي: يهزؤون من أنه كان حقاً أو باطلاً وكان حقيقاً بأن يصدق ويعظم أمره أو يكذب فيستخف أمره.
ثم قال تعالى: معجباً منهم.
﴿أو لم يروا إلى الأرض﴾ أي: على سعتها واختلاف نواحيها، ونبه على كثرة ما صنع من جميع الأصناف بقوله تعالى: ﴿كم أنبتنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿فيها﴾ بعد أن كانت يابسة ميتة لا نبات فيها ﴿من كل زوج﴾ أي: صنف متشاكل بعضه لبعض فلم يبق صنف يليق بهم في العاجلة إلا أكثرنا من الإنبات منه ﴿كريم﴾ أي: كثير المنافع محمود العواقب وهو صفة لكل ما يحمد ويرضى وهو ضدّ اللئيم، وههنا يحتمل معنيين أحدهما: النبات على نوعين: نافع وضار فذكر كثرة ما أنبت في الأرض من جميع أصناف النبات النافع وخلى ذكر الضار، والثاني: أن يعم جميع النبات نافعه وضاره ويصفهما جميعاً بالكرم وينبه على أنه تعالى ما أنبت شيأً إلا فيه فائدة، لأنّ الحكيم لا يفعل فعلاً إلا لحكمة بالغةٍ وإن غفل عنها الغافلون ولم يتصل إلى معرفتها العاقلون، ولما كان ذلك باهراً للعقل منبهاً له في كل حال على عظيم اقتدار صانعه وبديع اختياره، وصل به قوله تعالى:
(٧/٥)
---