﴿كذبت قوم نوح﴾ وهم أهل الأرض كلها من الآدميين قبل اختلاف الأمم بتفرّق اللغات ﴿المرسلين﴾ أي: بتكذيبهم نوحاً عليه السلام لأنه أقام الدليل على نبوته بالمعجزة ومن كذب بالمعجزة فقد كذب بجميع المعجزات لتساوي أقدامها في الدلائل على صدق الرسول، وقد سئل الحسن البصري عن ذلك فقال: من كذب واحداً من الرسل فقد كذب الكل لأنّ الأخير جاء بما جاء به الأوّل.
تنبيه: القوم يؤنث باعتبار معناه ولذا يصغر على قويمة، ويذكر باعتبار لفظه وتذكيره أشهر، واختير التأنيث ههنا للتنبيه على أن فعلهم أخس الأفعال وإلى أنهم مع عتوّهم وكثرتهم كانوا عليه سبحانه وتعالى أهون شيء وأضعفه بحيث جعلهم هباءً منثوراً وكذا من بعدهم ولأجل التسلية عبر بالتكذيب في كل قصة.
﴿إذ﴾ أي: حين ﴿قال لهم أخوهم﴾ أي: في النسب لا في الدين ﴿نوح﴾ وذكر الأخوة زيادة في تسلية النبيّ ﷺ وأشار تعالى إلى حسن أدب نوح عليه السلام مع قومه واستجلابهم برفقه ولينه بقوله لهم ﴿ألا تتقون﴾ الله بأن تجعلوا بينكم وبينه وبين الحفظة وقاية بطاعته بالتوحيد وترك الالتفات إلى غيره ثم علل أهليته للأمر عليهم بقوله:
(٧/٤٥)
---
﴿إني لكم﴾ أي: مع كوني أخاكم يسرّني ما يسرّكم ويسوءني ما يسوءكم ﴿رسول﴾ أي: من عند خالقكم فلا مندوحة لي عما أمرت به ﴿أمين﴾ أي: مشهور بالأمانة بينكم لا غش عندي كما تعلمون ذلك مني على طول خبرتكم لي ثم تسبب عن ذلك الرفق الجزم بالأمر فقال:
﴿فاتقوا الله﴾ أي: أوجدوا الخوف والحذر والتحرز الذي اختص بالجلال والجمال لتحوزوا أصل السعادة فتكونوا من أهل الجنة ﴿وأطيعون﴾ فيما آمركم به من توحيد الله وطاعته ثم نفى عن نفسه التهمة بعد أن أثبت أمانته بقوله.