﴿يلقون السمع﴾ أي: الآفكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون وحيهم إليهم أو يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس فيضمون إليها على حسب تخيلاتهم أشياء لا يطابق أكثرها، كما جاء في الحديث الكلمة يخطفها الجنيّ فيقرها في أذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة، ولا كذلك محمد ﷺ فإنه أخبر عن مغيبات كثيرة لا تحصى وقد طابق كلها، ويجوز أن يعود الضمير على الشياطين، ومعنى إلقائهم السمع إنصاتهم إلى الملأ الأعلى قبل أن يرجموا فيخطفون منهم بعض المغيبات ويوحونه إلى أوليائهم أو يلقون الشيء المسموع إلى الكهنة ﴿وأكثرهم﴾ أي: الفريقين ﴿كاذبون﴾ أما الشياطين فإنهم يسمعونهم ما لم يسمعوا، وأمّا الآفكون: فإنهم يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم.
فإن قيل: كيف قال وأكثرهم كاذبون بعدما حكم عليهم أنّ كل واحد منهم أفاك؟ أجيب: بأنّ الأفاكين هم الذين يكثرون الكذب لأنهم الذين لا ينطقون إلا بالكذب فأراد أنّ هؤلاء الأفاكين قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجنيّ وأكثرهم مفتر عليه، ولما قال الكفار لم لا يجوز أن يقال الشياطين تنزل بالقرآن على محمد كما أنهم ينزلون بالكهانة على الكهنة وبالشعر على الشعراء، ثم إنه تعالى فرق بين محمد عليه الصلاة والسلام وبين الكهنة، وذكر ما يدلّ على الفرق بينه وبين الشعراء بقوله تعالى:
﴿والشعراء يتبعهم الغاوون﴾ أي: الضالون المائلون عن سنن الأقوم إلى كل فساد يجرّ إلى الهلاك وأتباع محمد ﷺ ليسوا كذلك بل هم الساجدون الباكون الزاهدون رضي الله تعالى عنهم، وقرأ نافع بسكون التاء الفوقية وفتح الباء الموحدة، والباقون بتشديد الفوقية وكسر الموحدة، ولما قرّر حال أتباعهم، علم منه أنهم هم أغوى منهم لتهّتكهم في شهوة اللقلقة باللسان حتى حسن لهم الزور والبهتان، دلّ على ذلك بقوله تعالى:
(٧/٨٢)
---