فإن قيل: قال في الأولى ﴿أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق﴾ بلفظ المستقبل وههنا قال: ﴿فانظروا كيف بدأ الخلق﴾ بلفظ الماضي فما الحكمة؟ أجيب: بأن الدليل الأوّل هو الدليل النفسي الموجب للعلم وهو موجب للعلم ببدء الخلق، وأمّا الدليل الثاني: فمعناه إن كان ليس لكم علم بأن الله يبدأ الخلق فانظروا إلى الأشياء المخلوقة فيحصل لكم العلم بأنّ الله بدأ خلقاً، ويحصل من هذا القدر العلم بأنه ينشئ كما بدأ ذلك.
فإن قيل قال في هذه الآية: ﴿إنّ الله على كل شيء قدير﴾ وقال في الأولى: ﴿إن ذلك على الله يسير﴾ فما فائدته؟ أجيب بأنّ فيه فائدتين الأولى أن الدليل الأوّل هو الدليل: النفسي وهو وإن كان موجباً للعلم التامّ ولكن عند انضمام الدليل الآفاقي إليه يحصل العلم التامّ لأنه بالنظر إلى نفسه علم حاجته إلى غيره ووجوده منه فيتم علمه بأنّ كل شيء من الله تعالى فقال عند تمام الدليل: ﴿إنّ الله على كل شيء قدير﴾ وقال عند الدليل الواحد إنّ ذلك وهو الإعادة على الله يسير، الثانية: أنّ العلم الأوّل أتم وإن كان الثاني أعمّ وكون الأعم يسيراً على الفاعل أتم من كونه مقدوراً له بدليل قولك لمن يحمل مائة رطل إنه قادر عليه، فإذا سألت عن حمله عشرة أرطال تقول ذلك سهل يسير عليه فتقول: كان التقدير إن لم يحصل لكم العلم التامّ بأنّ هذه الأمور عند الله سهلة يسيرة فسيروا في الأرض لتعلموا أنه مقدور ونفس كونه مقدوراً كافٍ في إمكان الإعادة ولما تم الدليل على الإعادة أنتج لا محالة أنه:
(٧/٢٩٤)
---