فإن قيل: لم سماهم مبطلين ولو لم يكن أمياً وقالوا ليس بالذي نجده في كتبنا لكانوا صادقين محقين ولكان أهل مكة أيضاً على حق في قولهم لعله تعلمه أو كتبه بيده فإنه رجل كاتب قارئ؟ أجيب: بأنه سماهم مبطلين لأنهم كفروا به وهو أمي بعيد من الريب فكأنه قال: هؤلاء المبطلون في كفرهم به لو لم يكن أمياً لارتابوا أشدّ الريب فحينئذٍ ليس بقارئ ولا كاتب فلا وجه لارتيابهم، وأيضاً سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يكونوا أميين ووجب الإيمان بهم وما جاؤوا به لكونهم مصدقين من جهة الحكيم بالمعجزات، فهب أنه قارئ كاتب فما لهم لم يؤمنوا به من الوجه الذي آمنوا منه بموسى وعيسى على أنّ المنزل إليهم معجز وهذا المنزل معجز فإذاً هم مبطلون حيث لم يؤمنوا وهو أمي ومبطلون حيث لم يؤمنوا وهو غير أمي، ولما كان التقدير ولكنه لا ريب لهم أصلاً ولا شبهة لقولهم أنه باطل قال تعالى:
﴿بل هو﴾ أي: القرآن الذي جئت به وارتابوا فيه فكانوا مبطلين لذلك على كل تقدير ﴿آيات﴾ أي: دلالات ﴿بينات﴾ أي: واضحات جدّاً في الدلالة على صدقك ﴿في صدور الذين أوتوا العلم﴾ أي: المؤمنين يحفظونه فلا يقدر أحد على تحريف شيء منه لبيان الحق لديهم، وفي ذلك إشارة إلى أن خفاءه عن غيرهم، وقال ابن عباس وقتادة: بل هو يعني محمداً ﷺ ذو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب لأنهم يجدونه بنعته ووصفه في كتبهم ﴿وما يجحد﴾ وكان الأصل به ولكنه أشار إلى عظمته بقوله تعالى: ﴿بآياتنا﴾ أي: ينكرها بعد المعرفة على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا والبيان الذي لا يجهله أحد ﴿إلا الظالمون﴾ أي: المتوغلون في الظلم المكابرون.
(٧/٣٢٦)
---