فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى ههنا ﴿إلا الظالمون﴾ ومن قبل قال ﴿إلا الكافرون﴾؟ أجيب: بأن ما من حرف ولا حركة في القرآن إلا وفيه فائدة ثم إنّ العقول البشرية تدرك بعضها ولا تصل إلى أكثرها وما أوتي البشر من العلم إلا قليلاً ولكن الحكمة هنا أنهم قبل بيان المعجزة قيل لهم إن لكم المزايا فلا تبطلوها بإنكار محمد ﷺ فتكونوا كافرين فلفظ الكافر هناك أبلغ فمنعهم عن ذلك استنكافهم عن الكفر، ثم بعد بيان المعجزة قال لهم: إن جحدتم هذه الآية لزمكم إنكار إرسال الرسل فتلتحقون في أوّل الأمر بالمشركين حكماً وتلتحقون عند جحد هذه الآيات بالمشركين حقيقة فتكونوا ظالمين أي: مشركين كما قال تعالى: ﴿إنّ الشرك لظلم عظيم﴾ (لقمان: ١٣)
فهذا اللفظ ههنا أبلغ، ولما كان التقدير جحدوها بما لهم من الرسوخ في الظلم ولم يعدوها آيات فضلاً عن كونها بينات عطف عليه قوله تعالى:
﴿وقالوا﴾ موهمين مكراً إظهاراً للصفة بأدنى ما يدل على الصدق ﴿لولا﴾ أي: هلا ﴿أنزل عليه﴾ أي: محمد ﷺ على أيّ وجه كان من وجوه الإنزال ﴿آية﴾ تكون بحيث تدل قطعاً على صدق الآتي بها ﴿من ربه﴾ أي: الذي يدعي إحسانه إليه كما أنزل على الأنبياء قبله كناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى عليهم السلام ليستدل بها على صدق مقاله وصحة ما يدعيه من حاله، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص آيات بالجمع لأنّ بعده ﴿قل إنما الآيات﴾ بالجمع إجماعاً، والباقون آية بالإفراد لأنّ غالب ما جاء في القرآن كذلك، ولما كان هذا إنكاراً للشمس بعد شروقها ومكابرة فيما تحدى به من المعجزات بعد حقوقها أشار إليه بقوله تعالى:
(٧/٣٢٧)
---


الصفحة التالية
Icon