﴿وما هذه الحياة الدنيا﴾ فحقرها بالإشارة ولفظ الدناءة مع الإشارة إلى هذا الاعتراف فهذا الاسم كاف في الإلزام بالاعتراف بالأخرى ﴿إلا لهو﴾ وهو الاستمتاع بلذات الدنيا ﴿ولعب﴾ وهو العبث وسميت بهما لأنها فانية، وقيل: اللهو الإعراض عن الحق، واللعب: الإقبال على الباطل، فإن قيل: قد قال تعالى في الأنعام: ﴿وما الحياة الدنيا﴾ (آل عمران، ١٨٥) ولم يقل ﴿وما هذه الحياة﴾ وقال ههنا: ﴿وما هذه الحياة﴾ فما فائدته أجيب بأن المذكور من قبل ههنا أمر الدنيا فأحيا به الأرض من بعد موتها فقال هذه والمذكور قبلها هناك الآخرة حيث قال ﴿يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم﴾ (الأنعام: ٣١)
فلم تكن الدنيا في ذلك الوقت في خاطرهم فقال تعالى: ﴿وما الحياة الدنيا﴾، فإن قيل ما الحكمة في تقديمه هناك اللعب على اللهو وههنا أخر اللعب عن اللهو؟ أجيب: بأنه لما كان المذكور من قبل هناك الآخرة وإظهارهم للحسرة ففي ذلك الوعد يبعد الاستغراق في الدنيا بل نفس الاشتغال بها فأخذ الأبعد، وههنا لما كان المذكور من قبل الدنيا وهي خداعة تدعو النفوس إلى الإقبال عليها والاستغراق فيها، اللهمّ إلا لمانع يمنع من الاستغراق فيشتغل بها من غير استغراق فيها أو لعاصم يعصمه فلا يشتغل بها أصلاً وكان الاستغراق أقرب من عدمه فقدم اللهو، ولما كانوا ينكرون الحياة بعد الموت أخبر على سبيل التأكيد أنه لا حياة غيرها بقوله تعالى:
(٧/٣٤٣)
---