واعلم أن دلائل البرق وفوائده وإن لم تظهر للمقيمين في البلاد فهي ظاهرة للبادين، فلهذا جعل تقديم البرق على تنزيل الماء من السماء نعمة وآية، فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى هنا ﴿آيات لقوم يعقلون﴾ وفيما تقدم ﴿لقوم يتفكرون﴾؟ أجيب: بأنه لما كان حدوث الولد من الوالد أمراً عادياً مطرداً قليل الاختلاف كان يتطرق إلى الأوهام العامية أنّ ذلك بالطبيعة لأنّ المطرد أقوى إلى الطبيعة من المختلف، والبرق والمطر ليس أمراً مطرداً غير مختلف بل يختلف إذ يقع ببلدة دون بلدة، وفي وقت دون وقت، وتارة يكون قوياً وتارة يكون ضعيفاً، فهو أظهر في العقل دلالة على الفاعل المختار فقال هو آية لمن كان له عقل وإن لم يتفكر تفكراً تاماً، ثم ذكر تعالى من لوازم السماء والأرض قيامهما بقوله تعالى:
(٧/٣٦٩)
---
﴿ومن آياته﴾ أي: على تمام القدرة وكمال الحكمة ﴿أن تقوم السماء والأرض بأمره﴾ قال ابن مسعود، قامتا على غير عمد بأمره أي: بإرادته، فإنّ الأرض لثقلها يتعجب الإنسان من وقوفها وعدم نزولها وكون السماء في علوها يتعجب من علوها وثباتها من غير عمد وهذا من اللوازم، فإنّ الأرض لا تخرج عن مكانها الذي هي فيه، وإنما أفرد السماء والأرض لأنّ السماء الأولى والأرض الأولى لا تقبل النزاع؛لأنها مشاهدة مع صلاحية اللفظ بالكل لأنه جنس.
(٧/٣٧٠)
---
تنبيه: ذكر تعالى من كل باب أمرين أما من الأنفس فقوله تعالى ﴿خلقكم﴾ ﴿وخلق لكم﴾ واستدل بخلق الزوجين، ومن الآفاق السماء والأرض فقال تعالى ﴿خلق السموات والأرض﴾ (الروم: ٢٢)
ومن لوازم الإنسان اختلاف اللسان واختلاف الألوان ومن عوارض الآفاق البرق والأمطار، ومن لوازمهما قيام السماء والأرض؛ لأنّ الواحد يكفي للإقرار بالحق والثاني يفيد الاستقرار، ومن هذا اعتبر شهادة شاهدين، فإنّ قول أحدهما يفيد الظنّ وقول الآخر يفيد تأكيده ولهذا قال إبراهيم عليه السلام ﴿بلى ولكن ليطمئن قلبي﴾ (البقرة: ٢٦٠)


الصفحة التالية
Icon