﴿ضرب﴾ أي: جعل ﴿لكم﴾ بحكمته أيها المشركون في أمر الأصنام وبيان الإبطال من يشرك بها وفساد قوله بأجلى ما يكون من التقرير ﴿مثلاً﴾ مبتدأ ﴿من أنفسكم﴾ التي هي أقرب الأشياء إليكم، ثم بين المثل بقوله تعالى: ﴿هل لكم﴾ أي: يا من عبدوا مع الله غيره ﴿مما﴾ أي: من بعض ما ﴿ملكت أيمانكم﴾ أي: من العبيد والإماء الذين هم بشر مثلكم وعمم في النفي الذي هو المراد بالاستفهام بزيادة الجار بقوله تعالى: ﴿من شركاء﴾ أي: في حالة من الحالات يسوغ لكم بذلك أن تجعلوا لله شركاء ﴿في ما رزقناكم﴾ من الأموال وغيرها مع ضعف ملككم فيه فائدة ﴿في﴾ مقطوعة عن ﴿ما﴾ ﴿فأنتم﴾ أي: يا معاشر الأحرار والعبيد ﴿فيه﴾ أي: الشيء الذي وقعت فيه الشركة ﴿سواء﴾ فيكون أنتم وهم شركاء يتصرّفون فيه كتصرّفكم مع أنهم بشر مثلكم. فإن قيل: أيُّ: فرق بين مِنْ الأولى والثانية والثالثة في قوله تعالى من أنفسكم؟ أجيب: بأن الأولى: للابتداء كأنه قال: أخذ مثلاً وانتزعه من أقرب شيء منكم وهي من أنفسكم ولم يبعد، والثانية: للتبعيض، والثالثة: مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي، ثم بين المساواة بقوله تعالى: ﴿تخافونهم﴾ أي: معاشر السادة في التصرّف في ذلك الشيء المشترك ﴿كخيفتكم أنفسكم﴾ أي: كما تخافون بعض من تشاركونه ممن يساويكم في الحرية والعظمة أن تتصرّفوا في الأمر المشترك بشيء لا يرضيه وبدون إذنه، وظهر أنّ حالكم في عبيدكم مثل له فيما أشركتموهم به موضح لبطلانه، فإذا لم ترضوا هذا لأنفسكم وهو أن تستوي عبيدكم معكم في الملك فكيف ترضونه لخالقكم في هذه الشركاء التي زعمتموها فتسوّونها به وهي من أضعف خلقه أفلا تستحيون ﴿كذلك﴾ أي: مثل هذا التفصيل العالي ﴿نفصل الآيات﴾ أي: نبينها، فإنّ التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها ﴿لقوم يعقلون﴾ أي: يتدبرون هذه الدلائل بعقولهم، والأمر لا يخفى بعد ذلك إلا على من لا عقل له.
(٧/٣٧٥)
---


الصفحة التالية
Icon