﴿أو لم يروا﴾ أي: يعلموا ﴿أن الله يبسط الرزق﴾ أي: يوسعه ﴿لمن يشاء﴾ امتحاناً ﴿ويقدر﴾ أي: يضيق لمن يشاء ابتلاء، وهذا شأنه دائماً مع الشخص الواحد في أوقات متعاقبة متباعدة ومتقاربة ومع الأشخاص ولو في الوقت الواحد، فلو اعتبروا حال قبضه سبحانه لم يبطروا، ولو اعتبروا حال بسطه لم يقنطوا بل كان حالهم الصبر في البلاء، والشكر في الرخاء، والإقلاع عن السيئة التي نزل بسببها القضاء، ولما لم تغن عن أحد منهم في استجلاب الرزق قوّته وغزارة عقله ودقة مكره وكثرة حيله، ولا ضرّه ضعفه وقلة عقله وعجز حيلته وكان ذلك أمراً عظيماً ومنزعاً مع شدّة ظهوره وجلالته خفياً دقيقاً قال بعضهم:
*كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ** وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا*
أشار سبحانه إلى عظمته بقوله مؤكداً لأنّ عملهم في شدّة اهتمامهم بالسعي في الدنيا عمل مَنْ يظنّ أنّ تحصيله إنما هو على قدر الاجتهاد في الأسباب ﴿إن في ذلك﴾ أي: الأمر العظيم من الإقتار في وقت والإغناء في آخر والتوسيع على شخص والتقتير على آخر، والأمن من زوال الحاضر من النعم مع تكرّر المشاهد للزوال في النفس والغير واليأس من حصولها عند المحنة مع كثرة وجدان الفرج وغير ذلك من أسرار آلائه ﴿لآيات﴾ أي: دلالات واضحات على الوحدانية لله تعالى وتمام العلم وكمال القدرة وأنه لا فاعل في الحقيقة إلا هو لكن ﴿لقوم﴾ أي: ذوي همم وكفاية القيام بما يحق لهم أن يقوموا به ﴿يؤمنون﴾ أي: يوجدون هذا الوصف ويديمون تجديده كل وقت لما يتواصل عندهم من قيام الأدلة بإدامة التأمّل والإمعان والتفكر والاعتماد في الرزق على من قال ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر﴾ (القمر: ١٧)
(٧/٣٨٢)
---