﴿ولا تصعر خدّك﴾ أي: لا تمله متعمداً إمالته بإمالة العنق متكلفاً لها صرفاً عن الحالة القاصدة، قال أبو عبيدة: وأصل الصعر داء يصيب البعير يلوى منه عنقه، وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم بغير ألف بعد الصاد وتشديد العين، والباقون بألف بعد الصاد وتخفيف العين، والرسم يحتملها فإنه رسم بغير ألف وهما لغتان لغة الحجاز التخفيف، وتميم التثقيل، ولما كان ذلك قد يكون لغرض من الأغراض التي لا تدوم أشار إلى المقصود بقوله ﴿للناس﴾ بلام العلة أي: لا تفعل ذلك لأجل الإمالة عنهم وذلك لا يكون إلا تهاوناً بهم من الكبر بل أقبل عليهم بوجهك كله مستبشراً منبسطاً من غير كبر ولا عتو، وعن ابن عباس لا تتكبر فتحقر الناس وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك، وقيل هو الرجل يكون بينك وبينه الشحنة فيلقاك فتعرض عنه، وقيل هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه تكبراً، وقيل معناه: لا تحقر الفقير، ليكن الفقير والغني عندك سواء، ثم أتبع ذلك ما يلزمه بقوله ﴿ولا تمش﴾ وأشار بقوله ﴿في الأرض﴾ إلى أنّ أصله تراب وهو لا يقدر أن يعدوه وسيصير إليه وأوقع المصدر موقع الحال والعلة في قوله ﴿مرحاً﴾ أي: اختيالاً وتبختراً أي: لا تكن منك هذه الحقيقة لأن ذلك مشي أشر بطر متكبر فهو جدير بأن يظلم صاحبه ويفحش ويبغي بل أمش هوناً فإن ذلك يفضي بك إلى التواضع فتصل إلى كل خير فترفق بك الأرض إذا صرت في بطنها ﴿إنّ الله﴾ أي: الذي له الكبرياء والعظمة ﴿لا يحب﴾ أي: يعذب ﴿كل مختال﴾ أي: مراء للناس في مشيه متبختر يرى له فضلاً على الناس ﴿فخور﴾ على الناس بنفسه يظن أن إسباغ النعم الدنيوية من محبة الله تعالى له وذلك من جهله، فإن الله يسبغ نعمه على الكافر الجاحد فينبغي للعارف أن لا يتكبر على عباده فإن الكبر هو الذي تردى به سبحانه فمن نازعه فيه قصمه، ولما كان النهي عن ذلك أمراً بضدّه قال:
(٧/٤٣٠)
---