فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ما قالوا ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله ﷺ وأجمعوا على ذلك، ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاؤوا غطفان فدعوهم إلى ذلك وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه، وأن قريشاً قد بايعوهم على ذلك، فأجابوهم فخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن، فلما سمع بهم رسول الله ﷺ وبما جمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة، وكان الذي أشار به على النبي ﷺ سلمان الفارسي رضي الله عنه وكان أول مشهد شهده سلمان رضي الله عنه مع النبي ﷺ وهو يومئذ حُرٌّ فقال: يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا، فعمل فيه رسول الله ﷺ والمسلمون حتى أكملوه وأحكموه، قال أنس رضي الله عنه: «خرج رسول الله ﷺ إلى الخندق فإذا المهاجرون في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجزع قال:
*اللهم إن العيش عيش الآخرة ** فاغفر للأنصار والمهاجرة*
فقالوا مجيبين له:
*نحن الذين بايعوا محمدا ** على الجهاد ما بقينا أبدا*
قال البراء: كان رسول الله ﷺ ينقل التراب يوم الخندق حتى أغبرَّ بطنه وهو يقول:
«والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا إن الأولى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا ورفع بها صوت أبينا أبينا» فلما فرغ رسول الله ﷺ من الخندق أقبلت قريش في عشرة آلاف من الأحابيش، وبني كنانة وأهل تهامة وقائدهم أبو سفيان حتى نزلت بمجمع الأسيال من رومة بين الجرف والغابة، وأقبلت غطفان في ألف ومن تابعهم من أهل نجد وقائدهم عيينة بن حصن، وعامر بن الطفيل من هوازن، وانضافت لهم اليهود من قريظة والنضير حتى نزلوا إلى جانب أحد.
(٨/٩)
---