فقد هُيّء لنا المضجع فإن شئت سلقناك وإن شئت على أربع، والسليقة: الطبيعة المباينة، والسليق: المطمئن من الأرض ﴿بألسنة حداد﴾ ذربة قاطعة فصيحة بعد أن كانت عند الخوف في غاية اللجلجة لا تقدر على الحركة من قلة الريق ويبس الشفاه، وهذا لطلب العرض الفاني من الغنيمة وغيرها. يقال للخطيب الذرب اللسان: الفصيح مسلق، وقال ابن عباس سلقوكم أي: عضهوكم وتناولوكم بالنقص والغيبة وقال قتادة: بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة، ويقولون أعطونا فإنا شهدنا معكم القتال ولستم بأحق بالغنيمة منا، ثم بين المراد بقوله تعالى: ﴿أشحة﴾ أي: شحاً مستعلياً ﴿على الخير﴾ أي: المال الذي عندهم وفي اعتقادهم أنه لا خير غيره لا يريدون أن يصل شيء منه إليكم ولا يفوتهم شيء منه فهم عند الغنيمة أشح قوم وعند البأس أجبن قوم.
ولما وصفهم تعالى بهذه الصفات الدنيئة أخبر تعالى أن أساسها الذي نشأت عنه عدم الوثوق بالله تعالى لعدم الإيمان فقال: ﴿أولئك﴾ أي: البعداء البغضاء ﴿لم يؤمنوا﴾ أي: لم يوجد منهم إيمان بقلوبهم وإن أقرت به ألسنتهم ﴿فأحبط الله﴾ أي: بجلاله وتفرده في كبريائه وكماله ﴿أعمالهم﴾ التي كانوا يأتونها مع المسلمين أي: فأظهر بطلانها، وإذا لم تثبت لهم الأعمال فتبطل، وقال قتادة: أبطل الله تعالى جهادهم ﴿وكان ذلك﴾ أي: الإحباط ﴿على الله﴾ بما له من صفات العظمة ﴿يسيراً﴾ أي: هيناً لتعلق الإرادة به وعدم ما يمنعه. وقوله تعالى:
﴿يحسبون الأحزاب لم يذهبوا﴾ يجوز أن يكون مستأنفاً أي: هم من الخوف بحيث أنهم لا يصدقون أن الأحزاب قد ذهبوا عنهم، ويجوز أن يكون حالاً من أحد الضمائر المتقدمة إذا صح المعنى بذلك ولو بعد العامل. قاله أبو البقاء.
(٨/٢٦)
---


الصفحة التالية
Icon