فكنت أنا الذي استنبط ذلك الأمر، وأنزل الله تعالى آية التخيير وكان تحت رسول الله ﷺ تسع نسوة، خمس من قريش عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وأم سلمة بنت أبي أمية، وسودة بنت زمعة، وأربع من غير القريشيات: زينب بنت جحش الأسدية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية.
فلما نزلت آية التخيير عرض عليهن رضي الله تعالى عنهن ذلك، وبدأ رسول الله ﷺ بعائشة رأس المحسنات إذ ذاك، وكانت أحب أهله فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، فرؤي الفرح في وجه رسول الله ﷺ وتابعنها على ذلك قال قتادة: فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك وقصره عليهن فقال تعالى: ﴿لا يحل لك النساء من بعد﴾ (الأحزاب: ٥٢)
وعن جابر بن عبد الله قال: دخل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله ﷺ فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم، فأذن لأبي بكر فدخل، ثم أقبل عمر ثم استأذن فأذن له، فوجد النبي ﷺ جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً قال: فقال لأقولن شيئاً أضحك النبي ﷺ فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك النبي ﷺ وقال: «هن حولي كما ترى يسألنني النفقة»، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول: لا تسألن رسول الله ﷺ شيئاً أبداً ليس عنده، ثم اعتزلهن شهراً أو تسعاً وعشرين يوماً، ثم نزلت هذه الآية ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك﴾ (الأحزاب: ٢٨)
حتى بلغ ﴿للمحسنات منكن أجراً عظيماً﴾ (الأحزاب: ٢٩)
(٨/٤٣)
---