﴿ما كان﴾ أي: بوجه من الوجوه ﴿محمد﴾ أي: على كثرة نسائه وأولاده ﴿أبا أحد من رجالكم﴾ لا مجازاً بالتبني ولا حقيقة بالولادة، فثبت بذلك أنه يحرم عليه زوجة الابن، ولم يقل تعالى من بنيكم؛ لأنه لم يكن له في ذلك الوقت سنة خمس، وما داناها ابن ذكر لعلمه تعالى أنه سيولد له ابنه إبراهيم عليه السلام مع ما كان له قبله من البنين الطاهر والطيب والقاسم، وأنه لم يبلغ أحد منهم الحلم عليهم السلام. قال البيضاوي: ولو بلغوا لكانوا رجاله لا رجالهم. انتهى. وهذا إنما يأتي على أن المراد التبني. وقال البغوي: والصحيح أنه أراد بأحد من رجالكم: الذين لم يلدهم. انتهى. ومع هذا الأول أوجه كما جرى عليه البقاعي.
ثم لما نفى تعالى أبوته عنهم قال: ﴿ولكن﴾ كان في علم الله غيباً وشهادة ﴿رسول الله﴾ أي: الملك الأعظم الذي كل من سواه عبده ﴿وخاتم النبيين﴾ أي: آخرهم الذي ختمهم لأن رسالته عامة ومعها إعجاز القرآن فلا حاجة مع ذلك إلى استنباء ولا إرسال، وذلك مفض لئلا يبلغ له ولد إذ لو بلغ له ولد، لاق بمنصبه أن يكون نبياً إكراماً له؛ لأنه أعلى النبيين رتبة وأعظمهم شرفاً، وليس لأحد من الأنبياء كرامة إلا وله مثلها وأعظم منها، ولو صار أحد من ولده رجلاً لكان نبياً بعد ظهور نبوته، وقد قضى الله تعالى أن لا يكون بعده نبي إكراماً له.
روى أحمد وابن ماجة عن أنس وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال في ابنه إبراهيم عليه السلام : لو عاش لكان صديقاً نبياً وللبخاري نحوه عن البراء بن عازب. وللبخاري من حديث ابن أبي أوفى: «لو قضي أن يكون بعد محمد ﷺ نبي لعاش ابنه ولكن لا نبي بعده» وقال ابن عباس رضي الله عنه: يريد لو لم أختم به النبيين لجعلت له ابناً يكون من بعده نبياً.
(٨/٧١)
---