﴿وسبحوه بكرة وأصيلا﴾ أي: أول النهار وآخره خصوصاً، وتخصيصهما بالذكر للدلالة على فضلهما على سائر الأوقات؛ لكونهما مشهودين. كإفراد التسبيح من جملة الإذكار لأنه العمدة فيها، وقال البغوي: وسبحوه أي: صلوا له بكرة أي: صلاة الصبح، وأصيلا يعني صلاة العصر. وقال الكلبي: وأصيلا يعني صلاة الظهر والعصر والعشاءين وقال مجاهد: معناه قولوا سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فعبر بالتسبيح عن إخوانه، وقيل: المراد من قوله تعالى: ﴿ذكراً كثيراً﴾ هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب والمحدث.
وعن أنس لما نزل قوله تعالى: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي﴾ (الأحزاب: ٥٦)
وقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله ما أنزل الله تعالى عليك خيراً إلا أشركنا فيه أنزل الله تعالى:
﴿هو الذي يصلي عليكم﴾ أي: يرحمكم ﴿وملائكته﴾ أي: يستغفرون لكم، فالصلاة من الله تعالى رحمة، ومن الملائكة استغفار للمؤمنين، فذكر صلاته تحريضاً للمؤمنين على الذكر والتسبيح. قال السدي: قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام : أيصلي ربنا؟ فكبر هذا الكلام على موسى، فأوحى الله تعالى إليه قل لهم: إني أصلي، وإن صلاتي رحمتي وقد وسعت رحمتي كل شيء، وقيل: الصلاة من الله: هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده. وقيل: الثناء عليه. واستغفار الملائكة ودعاؤهم للمؤمنين ترحم عليهم، وهو سبب للرحمة من حيث أنهم مجابو الدعوة، فقد اشتركت الصلاتان، واللفظ المشترك يجوز استعماله في معنييه معاً، وكذلك الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ جائز. قال الرازي: وينسب هذا القول للشافعي رحمه الله تعالى وهو غير بعيد، وذلك لأن الرحمة والاستغفار مشتركان في العناية بحال المرحوم والمستغفر له، والمراد: هو القدر المشترك فتكون الدلالة تضمنية.
(٨/٧٥)
---