فإن قيل: فأي حاجة إلى ذكر الأكبر فإن من علم الأصغر من الذرة لا بد وأن يعلم الأكبر؟ أجيب: بأنه تعالى أراد بيان إثبات الأمور في الكتاب فلو اقتصر على الأصغر لتوهم متوهم أنه يثبت الصغار لكونها محل النسيان، وأما الأكبر فلا ينسى فلا حاجة إلى إثباته فقال: الإثبات في الكتاب ليس كذلك فإن الأكبر أيضاً مكتوب.
ثم بين علة ذلك كله بقوله:
﴿ليجزي الذين آمنوا وعملوا﴾ تصديقاً لإيمانهم ﴿الصالحات﴾ أي: وإنه ما خلق الأكوان إلا لأجل الإنسان فلا يدعه بغير جزاء، ثم بين جزاءهم بقوله تعالى: ﴿أولئك﴾ أي: العالو الرتبة ﴿لهم مغفرة﴾ أي: لزلاتهم وهفواتهم لأن الإنسان المبني على النقصان لا يقدر أن يقدر العظيم السلطان حق قدره ﴿ورزق كريم﴾ أي: جليل عزيز دائم لذيذ نافع شهي لا كدر فيه وهو رزق الجنة.
تنبيه: ذكر تعالى في الذين آمنوا وعملوا الصالحات أمرين: الإيمان، والعمل الصالح، وذكر لهم أمرين: المغفرة والرزق الكريم، فالمغفرة جزاء الإيمان فكل مؤمن مغفور له لقوله تعالى ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾ (النساء: ٤٨) وقوله ﷺ «يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ومن في قلبه وزن ذرة من إيمان»، والرزق الكريم على العمل الصالح وهذا مناسب، فإن من عمل لسيد كريم عملاً فعند فراغه لا بد وأن ينعم عليه وقوله تعالى ﴿كريم﴾ بمعنى: ذي كرم أو مكرم أو لأنه يأتي من غير طلب بخلاف رزق الدنيا فإنه إن لم يطلب ويتسبب فيه لا يأتي غالباً.
فإن قيل: ما الحكمة في تمييزه الرزق بأنه كريم ولم يصف المغفرة؟ أجيب: بأن المغفرة واحدة وهي للمؤمنين، وأما الرزق فمنه شجرة الزقوم والحميم، ومنه الفواكه والشراب الطهور فميز الرزق لحصول الانقسام فيه ولم يميز المغفرة لعدم الانقسام فيها.
ولما بين تعالى حال المؤمنين يوم القيامة بين حال الكافرين في ذلك اليوم بقوله سبحانه:
(٩/٦)
---