﴿ولو ترى﴾ أي: تبصر يا أشرف الخلق ﴿إذ فزعوا﴾ أي: عند الموت أو البعث أو يوم بدر، وجواب لو محذوف نحو: لرأيت أمراً عظيماً ﴿فلا﴾ أي: فتسبب عن ذلك الفزع أنه لا ﴿فوت﴾ أي: لهم منا لأنهم في قبضتنا، ثم حقر أمرهم بالبناء للمفعول بقوله تعالى: ﴿وأخذوا﴾ أي: عند الفزع من كل من نأمره بأخذهم سواء أكان قبل الموت أم بعده ﴿من مكان قريب﴾ أي: القبور أو من الموقف إلى النار، أو من صحراء بدر إلى القليب وقال الكلبي: من تحت أقدامهم، وقيل: أخذوا من ظهر الأرض إلى بطنها وحيثما كانوا فهم من الله تعالى قريب لا يفوتونه، والعطف على فزعوا أو لا فوت.
﴿وقالوا﴾ أي: عند الأخذ ومعاينة الثواب والعقاب ﴿آمنا به﴾ أي: القرآن الذي قالوا: إنه أفك مفترى أو محمد ﷺ الذي قالوا: إنه ساحر ﴿وأنى﴾ أي: وكيف ومن أين ﴿لهم التناوش﴾ أي: تناول الإيمان تناولاً سهلاً ﴿من مكان بعيد﴾ أي: عن محله إذ هم في الآخرة ومحله في الدنيا، ولا يمكن إلا برجوعهم إلى الدنيا التي هي دار العمل وهذا تمثيل لحالهم في طلبهم أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت كما ينفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا بحال من أراد أن يتناول شيئاً من علوه كما يتناوله الآخر من قدر ذراع تناولاً سهلاً لا تعب فيه، فإن قيل: كيف قال تعالى: ﴿من مكان بعيد﴾ وقد قال تعالى في كثير من المواضع أن الآخرة من الدنيا قريب، وسمى الله تعالى الساعة قريبة فقال ﴿اقتربت الساعة﴾ (القمر: ١)
﴿اقترب للناس حسابهم﴾ (الأنبياء: ١)
﴿لعل الساعة قريب﴾ (الشورى: ١٧)
(٩/٧١)
---