﴿والله﴾ أي: الذي له صفات الكمال لا شيء غيره من طبيعة ولا غيرها ﴿الذي أرسل الرياح﴾ أي: أوجدها من العدم فهبوبها دليل على الفاعل المختار، لأن الهواء قد يسكن وقد يتحرك وعند حركته قد يتحرك إلى اليمين وقد يتحرك إلى الشمال، وفي حركاته المختلفة قد ينشئ السحاب وقد لا ينشئ فهذه الاختلافات دليل على مسخر مدبر مؤثر مقدر وقوله تعالى ﴿فتثير سحاباً﴾ عطف على أرسل؛ لأن أرسل بمعنى المستقبل فلذلك عطف عليه وأتى بأرسل لتحقيق وقوعه وب«تثير» لتصور الحال واستحضار الصورة البديعة الدالة على كمال الحكمة كقوله تعالى ﴿أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة﴾ (الحج: ٦٣)
ولما أسند فعل الإرسال إليه تعالى وما يفعله يكون بقوله تعالى: ﴿كن﴾ فلا يبقى في العدم لا زماناً ولا جزءاً من الزمان فلم يقل بلفظ المستقبل لوجوب وقوعه وسرعة تكوينه فكأنه كان، ولأنه فرغ عن كل شيء فهو قدر الإرسال في الأوقات المعلومة إلى المواضع المعينة.
ولما أسند فعل الإثارة إلى الريح وهي تؤلف في زمان فقال ﴿تثير﴾ أي: على هيئتها، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالتوحيد، والباقون بالجمع وقوله تعالى ﴿فسقناه﴾ فيه التفاف عن الغيبة ﴿إلى بلد ميت﴾ أي: لا نبات بها، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي بتشديد الياء، والباقون بالتخفيف ﴿فأحيينا به﴾ أي: بالمطر النازل منه، وذِكْر السحاب كذكر المطر حيث أقيم مقامه أو بالسحاب فإنه سبب السبب أو الصائر مطراً ﴿الأرض﴾ بالنبات والكلأ ﴿بعد موتها﴾ أي: يَبَسِها.
(٩/٨٤)
---